نحن اليوم بحاجة إلى المزيد من القراءة المنظمة والاطلاع الهادف أكبر بكثير من الماضي، إذ كلما زادت المعارف المتاحة والمتداولة اتسعت منطقة المجهول بالنسبة إلينا، وصار من الضروري لمَنْ يرغب في الحفاظ على قيمة ثقافته وكرامتها أن يُعيد تكوينها على نحو مستمر.
ومن أعظم القُربات لله - تعالى - العلم، ووردت آيات وأحاديث وآثار عن السلف في أهمية العلم. وكان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ينظر إلى الأفق البعيد، ويريد تنبيه المسلمين إلى أن العلم أنفع لهم من المال، لذا كان في أعقاب غزوة بدر فداء الأسير من كفار قريش يتراوح بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف درهم، وكانت الكتابة أكثر شيوعاً في أهل مكة منها في أهل المدينة، فمَنْ كان كاتباً من الأسرى، ولم يكن لديه فداء دُفع له عشرة من غلمان المسلمين ليعلمهم القراءة والكتابة، فإذا حذقوها أطلق سراحه، مع أن المسلمين كانوا في أمسّ الحاجة إلى المال.
إن مهمة طالب العلم لا تتحدد في حمله وحفظه وسرده، بل عليه أن يختزن في ذاكرته المعلومات في هيئة منهج، ونماذج إرشادية، وعلاقات وتوجهات ومبادئ وحقائق أساسية، عوضاً عمّا يفعله كثير من طلاب العلم حين يحملون في رؤوسهم أكداساً من المعلومات الموسوعية المشتتة التي لا يربط بينها أيّ رابط، وبالتالي لا يعرفون كيف يوظفونها في حياتهم، ولا يعرفون ماذا يصنعون بها.
والعلاج هو دوام الاطلاع والمتابعة وإحداث تنظيم لاكتساب المعرفة والتعامل معها، وذلك حتى لا يتدهور ما لدينا، وحتى لا ننغمس ونغرق في الأوهام والمقولات الخاطئة التي تنتشر.
إن سلطان العلم هو الذي يمكّن الناس من اكتشاف المنهج الأكثر ملاءمة لحل مشكلاتهم، ولنهوضهم وتقدمهم، لذا كانت أمة الإسلام أكثر أمم الأرض احتفاءً بالعلم، وإنفاقاً عليه، وتداولاً واستثماراً له، ونتج عن ذلك قيام حضارة زاهية نزعت كل الحضارات المعاصرة لها.
فالأمم الأكثر إنتاجاً والأكثر نفوذاً تتخذ من العلم والمعارف المتقدمة القاعدة الأساسية لنهضتها.
M.alwohaib@gmail.com
@mona_alwohaib