قسّم الله الأرزاق كما قسّم الأخلاق وكما تجد التفاوت الكبير في أخلاق الناس وطريقة تعاملهم في ما بينهم تجد كذلك هذا التفاوت الكبير في أرزاقهم... فتجد الرجل ضعيف القوة قليل الحيلة عيي اللسان وهو مبسوط له في رزقه، وتلقى الآخر شديد البأس عظيم الحيلة سليط اللسان وهو مقتّر عليه... والله تعالى رفع بعضهم فوق بعض درجات، فهم بين فاضل ومفضول ورئيس ومرؤوس، وبعضهم مالك وبعضهم مملوك والحكمة ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً فيسخّر الأغنياء الفقراء ويكون بعضهم سبباً لمعاش بعض.
وفي العصر الحالي كثير من الشبان المتعلمين تروّعهم حالة البؤس والفاقة وأحياناً - ضعف الراتب - التي يُبتلى بها المحرومون وهي حالة تروّع النفوس الكريمة، وتحزن الحكماء الذين يفكرون بهموم مجتمعاتهم ولا يُلام أحد على إنكارها وطلب الخلاص منها، ولم يكن بلاء الحرمان فقط موضع خلاف بين طلاب الإصلاح وإنما الخلاف في العلاج الذي يدعو إليه طلاب الهدم والخراب - المعارضة الوهمية - فإذا كان العلاج سُمّاً فهو شرّ من الداء الذي يُعاني منه المريض ومن الواجب على مَنْ ينكر المرض أن يُنكر السم أولاً من باب أولى!!
وليس هناك أحد يقول إن المريض غير مريض ولكن الذي يقولونه هو إن الطبيب غير طبيب وإن الدواء الذي يصفه سم يُميت ولا يرجى منه شفاء وفرق كبير بين القولين!
ومن المتفق عليه أن الحلال بيّن و الحرام بيّن و بينهما أمور مشتبهات و للحق أمارات و للباطل كذلك علامات، وأبناء هذا الجيل ممّنْ أصابوا حظاً من الشهادات العليا خليقون أن يعرفوا تلك العلامات من تجارب الإنسانية الواسعة ومن بداهة التفكير السليم و الطبع القويم.
وليست حركة التاريخ مرهونة بالفوارق بين الناس في المال فحسب أو إنتاج السلع وننسى تلك الفوارق التي لا عداد لها بين المجتهد والكسلان والطموح والقانع والجميل والقبيح فإن كان هناك عقل يتوهم أن هذه الفوارق ملغاة معطلة في التاريخ وأن الفارق الوحيد الذي يعمل هو فارق الأجور وأسباب الإنتاج فهو العقل المعطل أو المضلل الذي لا يدرك طبائع البشر ولا يصلح لهدايتهم إلى سبيل النهضة والتقدم والرقيّ.
لم تعرف الكويت المجتمع الطبقي طوال تاريخها الطويل فليس عندنا طبقة عمال ولا طبقة أرباب عمل... كما أنه ليس الأغنياء كلهم شياطين أشرار وليس الفقراء كلهم ملائكة أطهار، وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وقد أساء الأغنياء قديماً وحديثاً وسوف يظلون يسيئون مستقبلاً الى نهاية الدهر وأساء الفقراء قديماً وحديثاً وسيُسيئون غداً إلى غير نهاية فالخطأ من طبيعة الإنسان.
فما كان الغنى كله إثماً أو جرماً ولا كان الفقر طهراً وبراءة... ولقد استفادت الكويت قديماً وحديثاً من أعمال التُجار الوطنية... كما استفادت من أعمال الفقراء... ولولا تجارة التجار - بعد الله - لما سارت القوافل في القفار ولا مخرت السفن الشراعية المشحونة أعالي البحار ولا اهتم أحد برصد الأفلاك التي تهدي الرحّالين في الملاحة ولا ارتقى فن البناء أو فن صناعة السفن أو التجارة أو فن الخياطة والنسيج أو فن صناعة السيوف إلى آخر هذه الفنون التي عمّ نفعها الغني والفقير والمالك والأجير.
وإن كاتب هذه السطور يعرف تماماً الرأسمالية ومآلاتها والشيوعية وعواقبها التي طحنت البشرية كلها الأغنياء + الفقراء... ومن ظن أن مذهباً من المذاهب سيمحو عيوب الأغنياء ويترك بني الإنسان مبرئين من العيوب فهو غافل راض عن الغفلة ومثل هذا أجدر بمرثيات ابن المعري له من الجائع والمحروم.
إنما يُرجى صلاح الإنسانية بالإسلام الذي يُبشّر بالتعاون والإخاء لا من المذاهب التي تُثير العداوة والبغضاء... إنما تتقدم الإنسانية بجميع مكوناتها لا بجزء واحد منها نسميه باسم طبقة التُجار أو العمال أو رجال الدين.