مشاهدات
الموانئ الكويتية بين السلم والحرب (3 - 5)
في حقبة منتصف السبعينيات وحتى الثمانينيات، تصدّر ميناء الشويخ قائمة أكثر الموانئ الخليجية استقطاباً للسفن.
وحسب الإحصاءات التي أجريت في إدارة العمليات البحرية آنذاك لحصر أعداد السفن في منطقة الانتظار، تم رصد أكثر من 300 سفينة (على المخطاف) شمالاً في جون الكويت في الجهة المقابلة لأبراج الكويت، وجنوباً بالقرب من جزيرة كبّر، تنتظر السفن دورها في الدخول إلى الميناء، وقد تمتد فترة الانتظار أكثر من شهر.
بالطبع فإن ذلك يعكس أهمية الموانئ الكويتية لشركات النقل وخطوط الملاحة العالمية وكذلك الخدمات التي توافرها الموانئ كالإرشاد والقطر على مدار اليوم من دون توقف وكذلك سرعة شحن وتفريغ البضائع وتخزينها بالمخازن والحفاظ عليها وتأمينها لحين تسليمها لأصحابها حيث ينعكس ذلك إيجابياً ومادياً في رفع ايرادات مؤسسة الموانئ.
(مدن بحرية عائمة)
منظر خلاب وساحر على امتداد الساحل من الشمال إلى الجنوب، حيث كانت المنطقة مليئة بالسفن المتنوعة ذات الشحنات المختلفة الراسية بحراً، تضيء أنوارها ليلاً وكأنها مدن بحرية تشع منها الأنوار، خصوصاً عند حلول السنة الجديدة، حيث تطلق كل تلك السفن صافراتها المميزة احتفالاً باستقبال السنة الجديدة، وكذلك تطلق صافراتها في احتفالات الكويت بعيد استقلالها.
وعندما كان المرشدون البحريون يتوجهون إلى السفن ليلاً في منطقة الانتظار يواجهون صعوبة في التعرّف على السفن التي سيتم إدخالها إلى الميناء لكثرتها، فيتم الطلب من ربابنة تلك السفن تحديد مواقعهم بإرسال الإشارات الضوئية المتقطعة ليتم الاستدلال عليها ومن ثم التوجه إليها والقيام بعملية إدخالها إلى الميناء.
وكانت تحركات السفن اليومية تصل إلى ما فوق 30 سفينة ما بين دخول ومغادرة ونقل من رصيف إلى آخر.
بالإضافة إلى عمليات إضافية أخرى كدخول ومغادرة السفن من الحوض العائم والحوض الجاف التابع لشركة بناء وإصلاح السفن.
ونظراً لزيادة أعداد السفن ولحاجة الميناء لأعداد أكثر من المرشدين البحريين وربابنة القاطرات البحرية، تم الاتفاق مع الإدارة المركزية للتدريب آنذاك، ثم تحولت فيما بعد إلى هيئة التعليم التطبيقي لتأهيل واستحداث دورة (إرشاد بحري) مدتها سنتين بعد الثانوية العامة ينال الخريج شهادة (دبلوم إرشاد بحري) خاصة للموانئ يليها عامان من التدريب العملي على القطع البحرية والسفن.
واستمرت تلك الدورات منذ 1976 لغاية الثمانينيات.
المؤسسة العامة للموانئ كانت تمتلك أسطولاً كاملاً من القطع البحرية وهي القاطرات البحرية المتعددة:
- 5 قاطرات بحرية متوسطة (موافي - مساير - معين - مطلاع - ممتاز) وقاطرتان كبيرتان (حسن - همام).
- 3 قاطرات صغيرة ( ماجد - منار - مفرج).
- 4 زوارق إرشاد (مرشد 1 و2 - مرغوب - مشاهد ).
- 4 زوارق ربط.
- ناقلتا مياه عذبة لتزويد السفن بحراً بالماء (منارة - محفوظة)، سفينة خدمات الأضواء البحرية (مواصلات) ورافعة بحرية عائمة (شريب).
- بالإضافة إلى زوارق وكرافات وبارجات إدارة التلوث البحري.
- مخازن الموانئ فيها الكثير من قطع الغيار للقطع البحرية التابعة لها، بالإضافة إلى الإمكانيات الفنية والبشرية ممن لديهم إمكانيات عالية المستوى من المهندسين والفنيين والملاحظين من ذوي الكفاءات والخبرات المتراكمة في الورش الفنية.
- إدارة الحاويات والمناولة لديهم من المعدات المتنوعة لتداول الحاويات والبضائع العامة.
حرب الناقلات وتأثيرها على الموانئ
(حرب الناقلات) مصطلح يشير إلى فترة الحرب العراقية - الإيرانية سنة 1980 - 1988 فعندما طال أمد الحرب استهدفت ناقلات النفط في الخليج وكانت الناقلات الكويتية هدفاً لتلك الصواريخ، ما دفع الحكومة الكويتية في سنة 1986 إلى أن تطلب الحماية الدولية لحماية ناقلاتها من الاعتداءات.
ففي عام 1987 استأجرت شركة نفط الكويت ناقلات النفط من الاتحاد السوفياتي، ثم قامت بتغيير جنسية بعض ناقلات النفط الكويتية إلى الجنسية الأميركية والبريطانية وكانت المدمّرات الحربية ترافق تلك السفن أثناء دخول ومغادرة الخليج.
وكذلك استهدفت الموانئ التجارية والنفطية، ولحماية تلك المرافق الحيوية قامت الموانئ بالتعاون مع القوات المسلحة بوضع مجسّمات رادارية عاكسة على العائمات البحرية الدوب (بارجات) بجانب مداخل الموانئ النفطية والتجارية والمنشآت الحيوية بحيث تصيب الصواريخ المعادية تلك الأهداف الوهمية وبذلك تتم حماية المنشآت من التدمير.
وقام ربابنة القطع البحرية في الموانئ، بعمل جبّار محفوف بالمخاطر حيث كانوا يقومون يومياً بنقل الدوب المستهدفة والمتضررة من مواقعها بجانب تلك المنشآت إلى شركة بناء وإصلاح السفن لوضع عواكس رادارية جديدة ونقل دوب أخرى جاهزة لوضعها في أماكن الدوب المعطوبة.
ربابنة القاطرات البحرية الذين أبلوا بلاءً حسناً في تلك الفترة الحرجة، هم: وليد البصيري/ محمد الفهد/ نبيل الصقر/ عبدالله الفودري/ شعبان حبيب/ سعيد عبدالسلام وموسى بهبهاني.
كذلك قامت إدارة العمليات البحرية بالاجتماع مع وكلاء السفن التجارية وإبلاغهم بخطة الطوارئ لإخلاء الموانئ في حالات الخطر والكوارث الذي ينص على رسو جميع السفن في الميناء بحيث تكون مقدمة السفينة باتجاه حوض الميناء (مدخل الميناء) مباشرة مع وضع حبلين على جانبي السفينة تمتد من سطح السفينة الى مسافة متر من خط ماء البحر، تحسباً للطوارئ لتتم مغادرة السفن الميناء في حالة الخطر بحيث يتم سحب السفينة بواسطة هذه الحبال.
كذلك قامت الموانئ بتحديد وتجهيز ملاجئ للعاملين في حالات الخطر بالتعاون مع الدفاع المدني.
وبالطبع، فإن كل تلك الأحداث أثرت على توافد السفن إلى الميناء فغادرت كل السفن المياه الإقليمية الكويتية متجهة إلى الموانئ الخليجية، وأصبحت منطقة الانتظار البحرية خالية من السفن بسبب الأخطار المتوقعة من جراء القصف العشوائي، وكذلك لرفع قيمة التأمين على السفن الآتية إلى تلك المناطق.
قام طاقم العاملين في إدارة العمليات البحرية (مرشدون+ ربابنة القطع البحرية) بقطر عدد 4 سفن تجارية معطوبة إثر استهدافها بالصواريخ.
وفي 1986 انضمت ميناء الشعيبة إلى المؤسسة العامة للموانئ وتم تغيير الاسم لاحقاً إلى مؤسسة الموانئ الكويتية والتي شملت الموانئ الثلاث (الشويخ - الشعيبة - الدوحة).
(رُبّ ضارة نافعة)
هناك حكمة متداولة تتردد على ألسنتنا بين الحين والآخر (رُبّ ضارة نافعة )، خاصة عندما نتعرض نحن أو من نحب إلى أمر سيئ وظروف صعبة، ولكن يظل أملنا في أن يكون القادم أفضل.
في ظل هذه الظروف العصيبة التي مررنا بها، اكتسب العاملون في الموانئ خبرة في إدارة الأزمات والكوارث، فكان لها أثر إيجابي في مواجهة أي أزمات مقبلة ووضع خطط طوارئ للأزمات.
اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمدلله رب العالمين.