قبل قرابة عام، اقترح الكاتب الصحافي/ بدر البحر ضم معهد الكويت للأبحاث العلمية إلى جامعة الكويت أو جامعة عبدالله السالم. وقبل أقل من أسبوع، اقترح الكاتب الصحافي/ أ.د. فيصل الشريفي تحويل المعهد إلى جامعة بحثية للدراسات العليا، بمساهمة مادية واستشارية من مؤسسة الكويت للتقدّم العلمي. واليوم، أضيف أنا اقتراحاً آخر حول مستقبل المعهد، مبني على توأمة الأنشطة البحثية بالأنشطة الأكاديمية والتمويل التسويقي، من أجل مضاعفة قدرة المعهد وعموم الجهات المنفّذة للأبحاث العلمية على تلبية الاحتياجات الاستشارية والإرشادية لخطط ومشاريع التنمية في البلاد.
بالنسبة للمعهد، أقترح أن يحاكي التجارب الناجعة لتوأمة الأنشطة البحثية والأكاديمية في مراكز حكومية مرموقة كمركز (Helmholtz Munich) الألماني. فمن جانب، أنشأ هذا المركز البحثي في عام 2010 «كلّية للدراسات العليا» في الصحة البيئية (HELENA)، بالتعاون مع الجامعتين الألمانيّتين (LMU and TUM). وفي خط موازٍ، أنشأ هذا المركز البحثي خمس «كليات بحثية» في تخصّصات دقيقة هي: مرض السكري، وعلم التخلّق (Epigenetics)، وبيولوجيا وأمراض الرئة، وعلوم الإشعاع، وعلم البيانات.
ومن أجل إزالة اللبس حول طبيعة الكليات البحثية، تجب الإشارة إلى أن هياكلها التنظيمية متناهية الصغر مقارنة بتلك الخاصة بالكليّات التقليدية الأكاديمية والتطبيقية، وقبول الطلبة فيها مقترن بالمشاريع البحثية الجارية والمرتقب أو المطلوب استحداثها، وليس بالبرامج الأكاديمية كما في الكليات التقليدية.
لذلك، أقترح محاكاة التجربة الثانية في المعهد لكونها الخيار المرحلي الأنسب والأقرب للقبول لدى مجلس الوزراء، فهي لا تتطلّب – في حدودها الدنيا – أكثر من مكتب لإدارة الشؤون الأكاديمية والإدارية لطلبة الدراسات العليا في الكلية البحثية، بواقع كليّة لكل مركز أبحاث قائم في المعهد، ينتدب بصورة دورية أحد الدكاترة الباحثين العاملين في المركز البحثي لإدارة المكتب الخاص بالكلية التابعة للمركز.
ولكن، إنشاء الكليات البحثية لن ينمّي – بشكل ملحوظ – قدرة المعهد على تلبية احتياجات التنمية في البلاد، ما لم يُقر نموذجاً تجارياً (Business Model) لتمويل الأنشطة البحثية بالمعهد، يحفّز طرفي الأبحاث العلمية (الجهات المنفّذة للأبحاث والجهات التي يفترض أن تستفيد منها) على توجيه وتوظيف الأبحاث العلمية لصالح التنمية في الجهات المشاركة وفي البلاد.
من بين النماذج التجارية المتعدّدة، قد يكون النموذج الأمثل للمعهد، ولسائر مؤسّسات التعليم العالي في الكويت، هو نموذج معدّل من المعتمد لمؤسّسة الكويت للتقدّم العلمي، الذي تلتزم بموجبه شركات القطاع الخاص الكويتية بالمساهمة بنسبة (1) في المئة من صافي أرباحها السنوية لدعم أنشطة المؤسسة.
وأعني هنا، تشريع قانون يلزم تلك الشركات بالمساهمة بنسبة ما (0.5 في المئة مثلاً) لصالح الأبحاث العلمية التطبيقية، ذات العلاقة الصريحة بالتنمية في البلاد. على أن تقيّد مساهمة كل شركة منفردة كرصيد لمدة سنة أو أطول لتغطية تكاليف أبحاث تطبيقية تطلبها الشركة. ولتفادي التبعات السلبية من زيادة الالتزامات على الشركات، أقترح أن تُخصم مساهمة كل شركة من مساهمتها السنوية للمؤسّسة أو من مساهمتها السنوية المتعلّقة بقانون الزكاة.
وبشكل مماثل، أقترح تشريع قانون آخر تخصص بموجبه نسبة مساوية أو مقاربة من ميزانيات الجهات الحكومية، يحق للجهات استخدامها لتغطية تكاليف أبحاث تطبيقية تطلبها خلال مدة زمنية محدّدة.
وبالنسبة للمساهمات التي لا تستغلها الجهات المانحة، أقترح أن ينص القانونان على أن توزع تلك المساهمات على الجهات المنفّذة للأبحاث حسب كفاءة كل منها، من حيث النشاط البحثي.
هذان القانونان سوف يحفزان مكونات القطاعين العام والخاص على الاستعانة بالأبحاث العلمية في تطوير منتجاتها وخدماتها. وفي الوقت ذاته سوف يدفعان الجهات المنفّذة للأبحاث نحو التنافس على كسب ثقة الجهات المستفيدة من الأبحاث... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه»
abdnakhi@yahoo.com