كم مرة أعدت الغلطة ذاتها بنفس تفاصيلها ولم تتعلم منها!
كم مرة أعدت نفس الاختبارات التي ندمت كثيراً عليها!
وكم مرة قلت: «مستحيل أصادق هذه النوعية من الناس»! وبعد ذلك وجدت نفسك تصادق أسوأ منهم.
يحدث كثيراً أن تتم إعادة نفس الأخطاء وتتكرر نفس المواقف.
ما السبب في ذلك؟ هل السبب أننا «ما نتعلم أو ما نتوب»؟ كما يقال باللهجة الكويتية، أم أن هناك سبباً نفسياً أعمق من هذا الكلام السطحي بكثير؟.
إليكم التوضيح التالي، سارة زوجة شخص مدمن مخدرات... يضربها كل يوم، ويطردها أحياناً من البيت، وهي منهكة نفسياً منه ووصلت إلى مرحلة الانفجار. فقررت في أحد الأيام الذي تم طردها فيه أن تذهب إلى أهلها وتشتكي منه، وحصل الأمر بالفعل.
ذهبت إلى والدها وانهارت أمامه بالبكاء والتعبير عن الحسرة وصرخت واشتكت. وتذمرت. والأب وعدها بوقفة صارمة مع الزوج. وموقف يضع من خلاله حلاً جذرياً في الصباح... الغريب في الأمر أن والد سارة استيقظ صباحاً لينفّذ وعده لابنته فلم يجدها، وطبيعي أن تنتابه الحيرة ويتملّكه الخوف على ابنته ويبحث عنها في كل مكان، ولكنه لم يجدها، حتى اكتشف رسالة تركتها له تخبره أنها ذهبت إلى بيتها وعادت إلى زوجها.
أترككم من ذهول الأب وذهولكم كقراء ولنركز بسارة.
السؤال: ماذا حدث لسارة ولماذا عادت إلى زوجها؟ هل هو الحب؟ طبعاً لا... هل خافت؟ طبعاً لا... هل حنت عليه؟ لا وألف لا.
المشكلة لا تخص الزوج بتاتاً بل هي متعلقة ومرتبطة بسارة ارتباطاً وثيقاً.
سارة قررت العودة إلى زوجها لرغبتها بتكرار الأحداث التي تحدث لها معه، وهذا نسميه بعلم النفس. Repetition compulsion أي التكرار القهري. وهذا التكرار يحدث لأربعة أسباب مهمة.
السبب الأول هو رغبتنا في تكرار الأحداث المزعجة القديمة لأننا نريد نهاية مختلفة لها. مثال تعرفت على شخص أحببته وغدر بي وتركني، أعود مرّة أخرى لأتعرّف على شخص آخر يحمل مواصفاته نفسها، لأنهي العلاقة بطريقة صحيحة بالنسبة لي.
أما السبب الثاني فإن المشكلة تكون قد حدثت سابقاً وكان الشخص مغلوباً على أمره وضعيفاً. فيحب تكرار نفس المشكلة ليكون الأمر في المرة الثانية بالنسبة له بكامل إرادته ووعيه... مثال أحببت شخصاً وتركني ثم أقوم بتكرار الأمر بكل تفاصيله، وأحب شخصاً بنفس مواصفاته. وأختلق المشاكل معه ليتركني بسبب سوء أخلاقي وعسر معشري. ليكون المبرر أن السبب واضح وله مبرر.
أما السبب الثالث فهو الرغبة بالتحول من ضحية إلى جانٍ ويكون كالآتي: أحببت شخصاً وتركني، إما أن أحاول العودة إليه أو التعرف على شخص يشبهه وأتركه أنا بشكل مفاجئ لأشعر بالنصر والقوة وأنني الجاني والظالم.
أما السبب الأخير، ومن الصعب هنا أن نقول الأخير لأن العلاج النفسي وتفسيراته تتطور باستمرار،
فهو الانتقام من النفس أي أن أعيد نفس الأحداث لأثبت لنفسي أني لا أستحق. أو بالكويتي «ما استاهل وهذا هو حظي»،فعلى سبيل المثال فتاة تكرر زيجات كثيرة مع رجال بنفس المواصفات ونفس السلوكيات... رجل يضرب ويسب ويقذف بالكلام الجارح انفصل عنه لأتزوج من رجل بذيء اللسان ويضرب أيضاً، ثم أنفصل عنه أيضاً لأتزوج ثالثاً يضرب كثيراً ويسب أكثر.
ثم أقول أنا لا حظّ لي، جرّبت كثيراً وجميعهم متشابهون وأن لا نصيب لي بالسعادة... إنه التكرار القهري يا سادة، الذي يجعلنا نظلم أنفسنا ونظلم الآخرين معنا وهو ليس مقصوراً على علاقتنا مع الآخرين، أيضاً موجود في علاقتنا مع أنفسنا.
كأن أحضر فيلماً مرعباً أتعبني وأرهقني نفسياً. وأقرر ألا أشاهده مرة أخرى ثم أعود لأشاهده، وأصرخ نفس الصرخات واعيش حالة الرعب نفسها، ونقيس ما سبق على الكثير من المواقف والأحداث.
ولأن التكرار القهري منتشر بنسبة كافية لأن نلاحظها بشكل جلي صار لابد أن ننتبه أن ما يحدث لنا من تكرار يحتاج وقفة شجاعة وصارمة منا لتغيير مسار التكرار، للعلاج منه والحد من قوته وسيطرته علينا.
ويبقى السؤال الآن في هذه المقالة، سارة... ماذا كان السبب؟
تحياتي