No Script

اتجاهات

قراءة في معارضة الكونغرس لبيع غواصات نووية لأستراليا

تصغير
تكبير

تواجه عملية بيع ثماني غواصات نووية لأستراليا وفقاً لاتفاق «أوكوس» الأمني المنشأ في سبتمبر من العام الماضي بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، تواجه معارضة قوية من الكونغرس الأميركي خصوصاً من قِبل الجمهوريين.

وذلك بحجة أن إمداد أستراليا بتلك الغواصات سيؤثر على قوة القوة البحرية الأميركية، لهذا فقد طالب أيضاً نواب الكونغرس المعارضون لتلك الصفقة أن يتم رصد مخصصات مالية إضافية للإنفاق العسكري الأميركي كشرط لإتمام الصفقة.

وتثير معارضة الكونغرس للصفقة الكثير من علامات التعجب. إذ بغض النظر أن الصفقة قد تم الاتفاق عليها سلفاً عند تأسيس «أوكوس»، وقد ساهمت في تعكير صفو العلاقات الفرنسية-الأميركية بصورة غير مسبوقة، بعدما ألغت أستراليا صفقة لشراء غواصات فرنسية نظير شراء الأميركية.

قد نجد أن الأعجب من ذلك، أن تحالف «أوكوس» الأمني قد تأسس بمباركة الكونغرس، دعماً لسياسة حشد التحالفات للرئيس بايدن الرامية إلى تقويض التغلغل والنفوذ الصيني في آسيا.

خصوصاً وأن «أوكوس» يمتاز عن غيره من التحالفات مثل التحالف الرباعي «كواد»، بضم أستراليا بصفة رسمية إلى التحالفات الأميركية المناهضة للصين في منطقة المحيط الهادئ، ونقل تركيز المملكة المتحدة إلى منطقة المحيط الهادئ في سياق مقاومة الصين. فضلاً عن أن التحالف يستهدف أعضاء جدداً تماماً في سياق مقاومة الصين كنيوزيلاند.

وربما أن صفقة الغواصات قد تؤثر نسبياً على القوة البحرية الأميركية كما يتراءى أعضاء الكونغرس الجمهوريون. لكن ما هو مؤكد أن وراء هذه المعارضة مناكفات واعتبارات تتعلق بانتخابات الرئاسة الأميركية 2024، وتقويض حظوظ بايدن في استحقاق رئاسي ثانٍ.

وعلى هدى ذلك، تتأتى الخطورة الشديدة لمعارضة الكونغرس والتي تكمن في تدمير آخر وأهم ورقة إجماع داخل واشنطن في بلد يعمه الانقسام الخطير في كل شيء، وهي تقويض الصعود أو القوة الصينية أكبر تهديد جيواستراتيجى لبقاء الأحادية الأميركية في النظام الدولي.

إذ إن معارضة الكونغرس، تمثل معول هدم لكل الجهود والدعم السابق والحالي واللاحق لحشد الدعم الداخلي والخارجي للعمل على تقويض الصين. خصوصاً وأن بايدن قد نجح بصورة كبيرة في حشد أكبر قدر من التحالفات ضد الصين.

فعندما يرى حلفاء واشنطن هذا التخبط والتردد في إتمام الصفقات الداعمة للتحالفات، تهتز مصداقية وجدية واشنطن في تقويض الصين، وبدوره أيضا تصاب تلك التحالفات بالفتور والهشاشة كما كان الحال أثناء فترة ترامب. ويحجم أعضاء جدد عن الانخراط في هذه التحالفات.

في مقابل ذلك، تنهض الروح المعنوية للصين وتزداد قوتها وخططها الرامية لمناهضة النفوذ الأميركي في النظام الدولي. لاسيما وأن الصين في المقابل تقوم بعملية حشد واسعة للتحالفات الدولية تمهيداً لتأسيس نظام دولي جديد عبر مبادرة الحزام والطريق، ومنظمة شنغهاي، ومجموعة البريكس، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.

وتعانى الولايات المتحدة-كما ذكرنا- من انقسام حاد على كل القضايا، وهذا أخطر ما يهدد الولايات المتحدة حقاً. فذلك الانقسام هو ما انجب ظاهرة الترامبية البعيدة كل البعد عن السياق العام التقليدي التاريخي للولايات المتحدة. وعندما تسقط آخر ورقة للإجماع الأميركي بسبب طموحات ومكاسب السلطة، تصبح الولايات المتحدة في مأزق حقيقي.

وأخيراً، بحسب ما تتناقله وكالات الأخبار أن صفقة إتمام بيع الغواصات النووية لأستراليا ستمضي قدماً بعد اتفاق ضمني بين مؤسسة الرئاسة والكونغرس. لكن مع ذلك، ستبقى معارضة الكونغرس للصفقة سابقة خطيرة تعكس اهتزازاً للمصداقية والقوة الأميركية داخلياً وخارجياً، وعلى الأرجح ستكون لها تداعيات أخطر على مستقبل التحالفات الأميركية المناهضة للصين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي