الرئيس التنفيذي لشركة المطاحن أكد إنتاج مليوني خبزة يومياً أيام الغزو... بجهود 4 آلاف متطوع
«رغيف الصمود»... مازال طعمه في الذاكرة
- مطلق الزايد لـ «الراي»:
- الرغيف الذي أنتجناه في ظل الغزو تميّز بإضافة النخالة وطحن القمح كاملاً لمواجهة النقص
- جنود الاحتلال استخدموا الخبز كسلاح ضغط لكسر الإرادة الوطنية وإحكام سيطرتهم على الكويت
- نجحنا بإيصال كميات كبيرة من الخبز لمن تقطعت بهم السبل ورجال الجيش الكويتي وبعض الشخصيات القيادية المطلوبة للجيش العراقي
- عملنا على إدارة المخزون بإخفاء الكميات الحقيقية من الطحين وبقية المنتجات عن نظر العسكر والإداريين العراقيين في الشركة
- حافظنا على أصول وممتلكات الشركة باستثناء مصنع الزيوت الذي استولى عليه جيش النظام العراقي المعتدي بالكامل
أدت شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية دوراً كبيراً، خلال فترة الأشهر السبعة العصيبة من الغزو العراقي الغاشم، حيث عملت على تأمين الأمن الغذائي، وبذل القائمون على الشركة جهوداً كبيرة لإدارتها وإدارة أفرعها الثمانية، حيث استطاعت إنتاج مليوني رغيف خبز يومياً، على الرغم من ضغط الاحتلال وتنكيله، بمساعدة 4 آلاف متطوع قاموا بتشغيل خطوط الإنتاج، حتى منّ الله على الكويت بالتحرير.
«الراي» التقت بالرئيس التنفيذي للشركة مطلق الزايد، الذي عاصر تلك الفترة، عندما كان مسؤول قسم الإنتاج والتوزيع، لإلقاء الضوء على تلك الفترة العصيبة، حيث أكد أن رغيف الخبز ارتبط بأزمة الغزو الغاشم ارتباطاً وثيقاً، حيث تمركزت مشكلة المواطن والمقيم في كيفية توفير ضروريات الحياة، وعلى رأسها رغيف الخبز، ولأن جنود الاحتلال حاولوا استخدامه كسلاح ضغط، لكسر الإرادة الوطنية للشعب الكويتي ولإحكام سيطرتهم على دولة الكويت الحبيبة.
وتطرق الزايد إلى قصة «رغيف الصمود»، فقال إن «القصة بدأت في ظل الأحداث المتلاحقة في أذهان الكويتيين، حيث كان له نكهة خاصة، لأيام صعبة اجتازها الشعب الكويتي أثناء الغزو الغاشم، حيث أنتجت شركة المطاحن، بسواعد وطنية متطوعة، رغيفاً من الخبز يتميز، بإضافة النخالة للطحين وطحن القمح الكامل لمواجهة النقص، حيث لاقى استحسان الجمهور، ويتم انتاجه في يوم التحرير للتذكير بالتحديات التي واجهها الشعب الكويتي»،
وفي ما يلي تفاصيل المقابلة:
• بحكم وجودك في شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية، ومعاصرتك لأيام الغزو وأنت فيها، هل لك أن تحدثنا عن صمود الشركة أثناء فترة الغزو؟
- في تلك الأيام كنت مسؤول قسم التسويق والتوزيع في الشركة، وعملت كمنسق عام للشركة خلال هذه الفترة، فقد ترأست فريق العمل المكون من العاملين فيها ومن المتطوعين من أبطال هذا البلد الطيب، وكانت مهمتنا العمل على توفير رغيف الخبز للمواطن والمقيم قدر المستطاع، ومن ناحية أخرى المحافظة على أصول وممتلكات الشركة من الاستيلاء عليها. وعملت الشركة من خلال 8 مراكز للبيع في أنحاء البلاد وطوال فترة الغزو، حتى منَ الله علينا بالتحرير.
• كيف ظهرت فكرة إنتاج رغيف 1990؟
- لقد ارتبط رغيف الخبز بأزمة الغزو العراقي الغاشم للكويت، ارتباطاً وثيقاً، حيث تركزت مشكلة المواطن والمقيم إبان الغزو في كيفية توفير ضروريات الحياة وعلى رأسها رغيف الخبز، ولأن جنود الاحتلال حاولوا استخدامه كسلاح ضغط لكسر الإرادة الوطنية للشعب الكويتي، ولإحكام سيطرتهم على دولة الكويت الحبيبة، وحتى يمكن توفير الكمية الكافية، حرصنا على طحن حبة القمح كاملة، لزيادة كميات الإنتاج وتعزيز المخزون من الطحين لأطول فترة ممكنة خصوصاً اننا كنا على يقين بأنه لن يكون هناك أي شحنات تعوضنا في حال انتهاء المخزون.
• كيف كان يتم توزيع الخبز؟
- تم بتضافر الجهود والتعاون مع المتطوعين من الشباب الكويتي، والمتبقين من موظفي الشركة الذين ظهر دورهم الكبير والمشهود في توفير الخبز لجميع المواطنين والمقيمين، فمع الأيام الأولى للغزو ظهر جلياً صلابة وتكاتف المواطنين والمقيمين، للمساعدة والمساهمة في توزيع الخبز طوال فترة الاحتلال، وبالفعل تم توصيل كميات كبيرة من الخبز للمحتاجين، ممن لا يستطيعون الحضور للمخابز، من رجال الجيش الكويتي ورجال الأمن وبعض الشخصيات القيادية ممن كان الجيش العراقي والاستخبارات العراقية يبحثون عنهم، والجاليات الأجنبية من أميركيين وإنكليز وفرنسيين وغيرهم.
وقد عملت جميع المخابز الآلية لشركة المطاحن في الأسابيع الأولى من الغزو، بكامل طاقتها وبمعدل 24 ساعة يومياً، لمدة سبعة أيام من دون إعطاء الفرصة لأي صيانة وتخصيص الوقت بالكامل للعمليات الإنتاجية.
• وكيف حافظت الشركة على مخزونها؟
- عملنا على إدارة المخزون، من خلال إخفاء الكميات الحقيقية من الطحين وبقية المنتجات، عن نظر قوات الاحتلال والإداريين العراقيين الذين دخلوا إلى مقر الشركة ومصانعها. وبحمد الله وفقنا في المحافظة على أصول وممتلكات الشركة باستثناء مصنع الزيوت الذي استطاع النظام العراقي المعتدي الاستيلاء عليه بالكامل، وتمكن من نهب شحنة قمح واحدة من المخزون.
ولولا إمكانيات المطاحن والإدارة الحصيفة في المحافظة على تأمين رغيف الخبز والطحين آنذاك، لما استطعنا تأكيد صمود الكويتيين وتأخير نزوح المقيمين لأطول فترة ممكنة خلال فترة الغزو. فقد كانت تجربة مريرة ساهمت في تأكيد شركة مطاحن الدقيق كصرح عريق يساهم في تحقيق الأمن الغذائي.
فالنجاح كان حليف الشركة في عملها لإدراكها مواطن القوة لديها، كالمخزون الاستراتيجي وقدرتها الصناعية الضخمة ومواردها البشرية المؤهلة. وبالفعل برهنت الشركة مقدرتها على ترجمة مفهوم الأمن الغذائي وسلامة تخطيطها الاستراتيجي.
• وما طريقة التعامل مع القوات الغازية؟
كانت توصياتنا وتوجيهاتنا للمتطوعين بامتصاص ما يقوم به قوات الاحتلال من مضايقات واستفزازات وذلك محاولة لتحقيق الهدف وهو الأمن الغذائي فقد بدأت مشاركة الشباب المتطوعين بتنظيم الصفوف الخارجية من المواطنين والمقيمين ومن ثم انتقلت الى داخل المخبز للمشاركة في العمليات الإنتاجية، فالناس كانت تصطف قرابة نصف الكيلومتر للحصول على رغيف الخبز، وكنا في الفترة الأولى نصرف حسب الاحتياج، ولكن بالفترة الأخيرة من الغزو كانت الحصة 5 أرغفة.
والجدير بالذكر أنه قد تم قصف مخبز كيفان، ما أثر بشكل جوهري على غرفة تجميع الطحين واشتعلت النيران في مبنى المخبز مما تعطل عن العمل لفترة وجيزة، وتعمد الغزاة أخذ كميات كبيرة من مخزوننا من الطحين، وكنا نتبع معهم سياسة ملء البطون، كي نستطيع توصيل بعض الطحين للمحتاجين وأفراد المقاومة، وكان المتطوعون يقومون بتهريب كميات من الخبز لتوزيعها للمحتاجين ممن لا يستطيعون الحضور للمخابز، وخاصة الجاليات الأجنبية (الأميركان والإنكليز والفرنسيين) وكذلك تهريب كميات من الخبز لرجال الجيش الكويتي، وبعض الشخصيات ممن كان الجيش العراقي يبحث عنهم لاعتقالهم.
• ما كمية الإنتاج من الخبز؟
- كنا ننتج (نحو 2 مليون خبزة يومياً)، نظراً لنزوح أعداد كبيرة من المواطنين والمقيمين.
• ما قصة «رغيف الصمود 1990»؟
- بدأت قصة هذا الخبز في ظل الأحداث المتلاحقة في أذهان الكويتيين، وله نكهة خاصة لأيام صعبة اجتازها الشعب الكويتي أثناء الغزو العراقي الغاشم، حيث انتجت «المطاحن» بسواعد وطنية متطوعة رغيفاً من الخبز يتميز بإضافة النخالة للطحين وطحن القمح الكامل، لمواجهة النقص وقد لاقى الرغيف استحسان الجمهور وتقوم الشركة بإنتاجه في ذكرى التحرير. وما كانت تنجح تلك القصة إلا بعزم وإرادة كافة أطياف الشعب والإصرار على رفع الغمة عن بلدنا الحبيبة، باعتبار أن ذلك كان نوعاً من أنواع المقاومة.
إدارة المخابز من «كيفان»
استذكر مطلق الزايد أولى لحظات الغزو، عندما وصله الخبر في تمام الخامسة صباحاً من شقيقه الذي كان عسكرياً في الحرس الوطني، حيث استقل مركبته متجهاً الى مقر الشركة في الشويخ، مستقلاً طريق الدائري الأول حيث تفاجأ بالمركبات تسير عكس السير، ما اضطره للتوجه إلى مخبز كيفان الذي لبث فيه 10 أيام لإدارة المخابز، بحكم منصبه كمسؤول قسم التسويق والتوزيع.
المعدن الأصيل لشبابنا
تحدث الزايد عن نقص العمالة لتشغيل المخابز، فقال «حاولنا تجميع ما أمكن من عمالة فنية من جميع المخابز، لتوحيدهم في مجموعة واحدة للطوارئ، تلبي طلبات المخابز الثمانية في البلاد، وظهر المعدن الأصيل لشبابنا عندما تطوعوا للعمل في دوريات على مدار الساعة، لتعويض العمالة التي تناقصت، فشاركوا في جميع مراحل العمل داخل المخبز لإنتاج رغيف صالح للمستهلك، حيث تطوع في المخابز قرابة 4 آلاف متطوع، كانوا عصب العمل لاستمرار العمل حتى التحرير».
مليونا رغيف
أشار الزايد إلى أنه منذ اليوم الأول للغزو، عملت جميع المخابز بكامل طاقتها، وبمعدل 24 ساعة يومياً لمدة 7 أيام، من دون إعطاء فرصة للصيانة، وبدأت العمالة الفنية بالتناقص ومغادرة الكويت، وبدأت الأعطال تتزايد في خطوط الإنتاج تلو الأخرى، حيث كنا ننتج مليوني خبزة يومياً، لتأمين الغذاء للصامدين من خلال 8 مراكز للبيع بخلاف الجمعيات والأسواق المركزية.
أكثر من 200 منتج
لفت الزايد إلى قيم كثيرة مستفادة من الفترة العصيبة، لعل أهمها كيفية إدارة الأزمات والعبور إلى بر الأمان بأقل الخسائر، بالإضافة الى أن الشركة عملت بعد التحرير على تنويع منتجاتها وعدم جعل الخبز السلعة الوحيدة التي تنتجها حيث استخلصت الشركة من مادة القمح أكثر من 200 منتج غذائي غزا السوق المحلي وصدرنا للخارج ما وفر دخلاً اضافياً يساهم في ديمومة عمل الشركة وتأمين احتياجاتها في المستقبل.
ذكرى مريرة وصفحات ناصعة
اعتبر الزايد أن فترة الغزو الغاشم على الرغم من أنها ليست بعزيزة على الشعب الكويتي وذكرى مريرة، إلا أنها سجلت بصفحات ناصعة دور شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية والملحمة التي قامت بها، من منطلق واجبها الوطني في الصمود في مواجهة فترة الاحتلال.