سافر إلى ذاتك

التقمّص الإسقاطي

تصغير
تكبير

هل تعرف أن كثيراً من البشر يعيشون مشاعر لا تخصّهم ولا مشاعر تعنيهم هم، بل زُرعت من مكان آخر. أو من شخص آخر. والغريب بالأمر أنهم يعيشون هذه المشاعر على أنها حقيقة...

كيف ذلك؟

دلال، بنت تبلغ من العمر 18 عاماً، تتابع شخصية مشهورة في أحد البرامج. هذه الشخصية ذهبت لمطعم معين وأصبحت أو بالكويتي صارت تمدحه وتتكلّم عن الأطباق المميزة لديه والمحببة لقلبها. دلال، لم تذهب للمطعم ولم تتذوق الأكل ولم تختبر مشاعرها تجاهه لكنها قرّرت استقبال مشاعر لا تخصها وعملت تقليداً أعمى ومشاعر عمياء. في الذهاب للمطعم ذاته واستشعار السعادة مع الأطباق نفسها. دون وجود فلتر خاص فيها بأن الطبق لذيذ أو لا أصلاً. دلال لا تعرف ولا تدرك أن المطعم جميل أو الأطباق شهية، ماذا حدث لدلال؟ إنه تقمص؟ وأيضاً إسقاطي. أسقطت مشاعر تلك الشخصية عليها وعاشت مشاعر ومذاقاً أيضاً لا يخصها يخص تلك الشخصية.

وهذا يعتبر أمراً خطيراً جداً، لأنه يجرّدك من ذائقتك الحياتية ويعيشك مشاعر لا تعنيك.

مثال آخر.

فهد، رجل جالس بحاله في مقعد داخل أحد المجمعات التجارية. يستمتع بكوب قهوة ومشاهدة الناس. لحظات ويراه سالم، صديقه «شلونك شتسوي شكلك تعبان ومتضايق ومرهق، عيونك حزينة». ويبدأ سالم بزراعة مشاعر لا تخص فهد، النتيجة مزاج فهد يصبح حزيناً. لأنه حدث له تقمص إسقاطي... كثير من المشاعر المزروعة داخلنا لا علاقة لنا بها بتاتاً، بل هي لآخرين، نحن صدقناها واستقبلناها ولأن ما تم سرده في الأعلى أمر مهم في حياة كل واحد فينا.

أصبح تعلم بعض آليات التقمص الإسقاطي أمراً مهماً أيضاً، فهو يحدث في البداية في أن هناك مَن يزرع شعوراً ويرويه داخلك ثم يعطيك أدلة وبراهين من تصرفاتك تثبت أنه على حق.

في قصة فهد، أكد سالم، له أن شكل جلسته ونظرة عيونه حزينة، وفهد، صدق الأمر رغم أنه غير صحيح، ومن أهم خطوات التقمص الإسقاطي أنه أيضاً بعد الزراعة وتثبيتها يأتي إلى أن يقنعك بذلك، ويثبت هذه القناعة حتى تصدقها وتتصرف كأنها حقيقة.

لذلك، عزيزي القارئ. هناك فلتر نفسي داخل كل واحد فينا، استخدم هذا الفلتر جيداً.

في علاقتك مع نفسك ومع الآخرين، أعد اختبار حاجتك إلى الأشياء عندك وتنظيم معايير مشاعرك وفهم رغباتك واسأل نفسك على الدوام، هل أحب شراء هذا المنتج؟ هل أحب السفر لهذا المكان؟ هل استمتع بالذهاب مع ذاك الصديق؟ هل ما فعلته رغبة مني أو أُسقط عليّ، وأعد تذوق الأشياء في حياتك؟ وكل شعور داخلك قبل أن تصدقه وتعيشه أو حتى تخوضه، واسأل نفسك من أين أتى هذا الشعور؟ هل تكون من فيلم شاهدته للتو؟ أو من شخص قابلته أم هو شعوري الحقيقي الذي لا دخل لأحد في إدخاله عالمي؟

والتقمص الإسقاطي مختلف عن التقليد فهو غير واعٍ ولا ندرك أننا نقلد ونتقمص في مشاعرنا وذواتنا، لذلك هو مختلف جداً، فالتقليد أنا معجب وأقلد وواعٍ بهذا الأمر، أما التقمص فأنا غير موجود في الأصل، أنا نسخة طبق الأصل من مشاعره المتقمصة، لذلك الحذر مهم عند تلقي الكلمات من الآخرين. وضرورة تصفيتها أمر بالغ الأهمية، وتأكد عزيزي القارئ أن لكل واحد فينا مذاقاً للحياة يناسبه ووجهة يفضلها ومكاناً يرتاح فيه ونوعية حياة يحبها، نحن مختلفون، اسمح لنفسك أن تكون نفسك. أما عن لطيفة، الزوجة الشكاكة، ودائمة الشك بزوجها طلال، الذي تعب وهو ينفي ويؤكد خلاف ما ترويه وما تشك فيه، هل تزوج امرأة أخرى؟

تمعن!

تحياتي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي