قيم ومبادئ

النسب والجنسية

تصغير
تكبير

«يأيُّها الناسُ إنّا خلقناكم من ذَكَرٍ وأُنثى وجعلناكم شُعوباً وقبائلَ لتعارفوا...».

خطابٌ من الله تعالى للإنسانية جميعاً، المؤمن والكافر والبر والفاجر بأنه خلقهم من (آدم وحواء) ثم صيّرهم شعوباً وقبائل من أجل التعارف (لتعارفوا وليس لتعاركوا) وتبادل المصالح بينكم...

والحِكمة من هذا التنوع وهذا التكوين ليست من أجل التزويد والبغي والعدوان والظلم، ولا أن يفخرَ أحدٌ على أحدٍ فيفتخر هذا بأنه من قريش، وآخر بأنه من نسب الأنبياء، وثالث بأنه من أصل بني حِمير...

لا ليست هذه من الحِكمة الإلهية وإنما الحِكمة حصول التعارف والتواصل وقيام المصالح... فانظروا مثلاً حجم التبادل التجاري بين دول بلاد المسلمين وغير المسلمين؟

فإذاً هذه هي رابطة الشعوب التي أكدها الإسلام وزاد من قدسيتها أنه حرّم أن ينتسب الرجل إلى غير أبيه وعدها من كبائر الذنوب، لأنه إذا انتسب إلى غير أبيه، غيّر هذه الفطرة التي فطرَ اللهُ الناسَ عليها وهي أنهم شعوب وقبائل من أجل التعارف، فيقال فلان بن فلان بن فلان بن فلان الى آخر الجد الذي كان أباً للقبيلة، والتعارف لا يعني البغي والظلم ولا التفاخر بالأحساب والأنساب، وليس الكرم أن يكون الإنسان من القبيلة الفلانية أو من الشعب الفلاني، ولكن الكريم ابن الكريم ابن الكريم هو ذاك الإنسان المتقي لله، وأبوه وجده من المتقين الكرام وهذه حقيقة الكرم عند الله عز وجل.

أمّا كرم الإنسان عند بني جنسه فهذا أكرم لا شك ويحمد عليه الإنسان إذا ابتغى به وجه الله.

لكن الكرم الحقيقي النافع هو الكرم عند الله وبأي شيء يكون؟

يكون بالتقوى والخوف من الله، فكلما كان الإنسان أتقى لله كان عند الله أكرم. فهي السعادة وهي البركة وهي الخير كله في الدنيا والآخرة... وهذا ما تحتاجه الإنسانية اليوم.

حقاً، إننا بحاجة إلى الإنسانية الجامعة التي رأت طيبة آدم أولاً وستسمع نفخة إسرافيل أخيراً والتي تسير مع الإنسان من المهد إلى اللحد حيث سار في بره وبحره وسهله وحزنه وحياته وموته وتدور معه حيث دار في إيمانه وكفره وصلاحه وفساده واستقامته وإعوجاجه، لا يتغيّر لونها ولا يقصر ظلها ولا تستحيل مادتها ولا تبلى جدتها رغم اختلاف الحدثين وتطاول الزمان!

وعلى هذا الأساس المتين جاء الإسلام بهذا الأمر الواضح «لا يَنهاكُمُ اللهُ عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يُخرِجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتُقسِطوا إليهم». وهذه من العلاقات التي تبرز الجانب الإنساني المفقود اليوم... فمثلاً صلة الرحم، فعلى الإنسان المسلم أن يصل رحمه ولو كانوا كفاراً، وكذلك يدعوهم إلى بيته ويكرمهم... وإذا سلّموا عليك بتحية الإسلام فقالوا السلام عليكم فقل وعليكم السلام، لأنّ الله تعالى يقول:

«وإذا حُييتم بتحيةٍ فحيّوا بأحسنَ منها أو رُدُّوها»، وهذا النص عام يشمل المسلم وغير المسلم.

كذلك من الإنسانية الإحسان إلى الفقراء والمساكين منهم والمواساة كالإغاثة بالصدقة وليس من الزكاة إذا كانوا فقراء، وإذا كانوا مظلومين

لا بد من النصر وإزالة الظلم عنهم إذا ظلمهم أحد... وهكذا العدل بينهم كونه يفصل بينهم في الخصومات ودعاوى الحقوق ويعدل بينهم وبين خصومهم، ولا نظلمهم فهذا واجب أوجبه الإسلام، «ولا يَجرمنّكم شنآن قوم على ألّا تعدلوا اعدوا هو أقربُ للتقوى» المائدة 8

وليس لساكن وطن من الأوطان أو صاحب دين من الأديان أن يقول لغيره ممن يسكن وطناً غير وطنه أو يدين بدِين غير دينه «أنا غيرك فيجب أن أكون عدوك».

فإذا جاز لكل إقليم أن يتنكّر لغيره، وجاز لكل بلد أن يتنكّر لكل بلد بجواره، بل جاز لكل بيت أن ينظر شزراً إلى جاره الذي يجاوره، بل جاز للابن أن يقول لأبيه «إليك عني فأنت لست من جيلي ولا تمدنّ عينيك إلى ما في يدي لأنني غيرك فيجب أن أكون عدوك».

وهنا ستنحل كل رابطة وتنقصم كل عروة ويحمل كل إنسان لأخيه الإنسان بين ضلوعه من البغضاء والشحناء ما يعكّر عيشه ويطيل سهاده ويقض مضجعه، فيصبح منفرداً متوحشاً لا يجد له من الوحشة مُؤنساً ولا على الهموم معيناً... إنها الإنسانية الجامعة أقرب الجوامع إلى قلب الإنسان وأعلقها بفؤاده وألصقها بنفسه لأنه يبكي لمصاب من لا يعرف، يرى غريقاً يتخبط في الماء أو محروقاً يشوى بالنار إلّا وتحدثه نفسه بالمخاطرة في سبيله فيسمع وهو بالمشرق حديث النكبات بالمغرب فيخفق لها قلبه وتطير نفسه لأنه يعلم أنّ أولئك المنكوبين إخوانه في الإنسانية لا بأس بالوطنية ولا بأس بالحمية الدينية والقبلية... ولكن يجب أن يكون ذلك في سبيل الإنسانية وتحت نطاقها لا تخرج دائرتها (وانصر أخاك ظالماً أو مظلوماً).

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي