خلال الأيام الماضية كان برنامج عمل الحكومة وجدواه سيدَي المشهد ومادة النقاش الأولى في مجلس الأمة والإعلام والدواوين وحتى بأماكن العمل.
باختصار، الجميع في الكويت انشغل وبحماسة شديدة بمستهدفات البرنامج الذي طال انتظاره من المواطنين قبل النواب، ليأتي التقييم بين مُمنٍ للنفس بحلم الإنجاز الحكومي ومتحفظ وناقد وناقد بشدة وآخر متفرّج بعد أن فقد الأمل مع الحكومات السابقة في احداث التغيير الحقيقي المطلوب وتصحيح المسار.
وبين هؤلاء وهؤلاء، يبرز استفهام لا يقل حجماً ومؤشراً عن مدى جدوى البرنامج الحكومي ويتعلّق بموقف واستعداد الحكومة لملء الشواغر القيادية في جهاتها المختلفة لتنفيذ برنامجها الذي ينتظر الكوادر البشرية المسؤولة عن التنفيذ.
فمن البدهي أن يشكّل الفريق الحكومي المكتمل والمعني بتنفيذ برنامج الحكومة الضمانة الأولى لتنفيذ أي تنمية مستهدفة، باعتبار الثروة البشرية هي المحرّك الرئيس لأي إنجاز مستهدف للتنمية ولتصحيح المسار.
وبالتالي، ومع الانشغال الحكومي النيابي الشعبي بتقييم برنامج عمل الحكومة كان يتعيّن أن يوازي طرح البرنامج بغض النظر عن تقييم جدواه، العمل على تسريع تسكين الشواغر القيادية المؤهلة بتنفيذ الخطط الموضوعة، فمن دون القيادات الكافية والمناسبة يكون من المستحيل تنفيذ أي برنامج عمل ولو بسيطاً، حيث العمل الحكومي سيكون مسيراً بالوكالة والأيادي المرتجفة من تحمل المسؤولية.
ولذلك، يجب أن يشكّل ملف تسكين المناصب القيادية الشاغرة أم الأولويات لدى الجميع بعد أن شهدت البلاد خلال السنوات الثلاثة الماضية حالة غير مسبوقة من تمدد الفراغ الإداري.
ومن ثم أمام الحكومة ومجلس الأمة فرصة فريدة لاستعادة الثقة في الإصلاح وتنفيذ خطط التنمية الجادة تبدأ بملء الشواغر في الهيئات والجهات الحكومية وفقاً لمعيار الجدارة، لا المحاصصة.
وعملياً، الفرصة متاحة أمام الحكومة والنواب ليبرهنوا عن استقلاليتهم الفعلية عن المصالح الشخصية من خلال ملء هذه الشواغر بالطريقة التنافسيّة الشفافة المبنيّة على منطق القدرة على العطاء ولمواكبة التغييرات وإحداث الفارق المنتظر، في جميع المجالات التنموية ما يعزّز ثقة المواطن في قدرة ورغبة أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإصلاح النموذج الاقتصادي والمالي بالطريقة الفُضلى.
وأمام هذه المسؤولية يكون من واجب الحكومة ومن باب التزامها ولحماية برنامجها للتنمية، أن تضمن تعيين قيادات يتمتعون بحسّ استثنائي للمسؤولية وقدرات كبرى في القيادة والأداء، لهم من الكفاءة والنزاهة والخبرات الواسعة ما يجعلهم قدوة ومثالاً.
الخلاصة:
تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع يحتاج لبرنامج عمل حكومي طموح ممزوج بقيادات مسؤولة قادرة على التنفيذ والمبادرة والقفز على التحديات التقليدية والروتينية برؤى واضحة.
ومن دون ذلك سيكون المتغير الوحيد في المشهد التنموي المقبل زيادة رصيد البرامج الحكومية الورقية غير المنفذة، وزيادة تراكم الضغوط المالية والاقتصادية والعجوزات وارتفاع لهجة التهديد بالاستدامة المنفلتة من مستهدف تنموي. فيما سيكون هناك نحو 25 ألف خريج جديد كل سنة، أو نحو 100 ألف مواطن قادم إلى سوق العمل خلال أربع سنوات.