اشتهر الغراب في مشيته التي أصبحت مضرب الأمثال فيمن يقلّد الناس في تصرفاتهم، ولا يتقنها وفي الوقت نفسه لا يستطيع أن يرجع إلى طبيعته!
فيعيش بين المايتين؟
يقال إنّ الغراب أُعجب بمشية أحد الطيور الجوارح، ولكنه لم يتقنها فضيّع مشيته؟ وفي عالم الحريات المزعومة والفضاء المفضوح! والانفلات من القيم، بإسم الديموقراطية وجدنا كم من إنسان ضيّع مشيته وانسلخ من جلده وتنكّر لتاريخه بسبب هذا الطوفان من الشهوات الخفية والضغوط اليومية الإعلامية المسلطة علينا في الشرق الأوسط من خلال شركات عابرة للقارات تعمل على مدار الساعة لغسل عقول الشباب وتلويثهم برذائل الاخلاق حتى وجدنا صديقاً يخون العهد، ورفيقاً يكذب الود، ومستشاراً غير أمين، وجاهلاً يُفشي السر، وعالماً يُحرّف الكلِمَ عن مواضعه، وشيخاً يدّعي الولاية كذباً وأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، يلاقيه ويخاطبه في خلوته، وتاجراً يغش في سلعته، وشاهد زور يحنثُ في أيمانه! وصحافياً يتّجر بالعقول ويكذب الكذبة حتى تبلغ الآفاق وتصبح (ترنداً).
لقد هان على الناس أمر الكذب فلا تكاد تجد في المجتمع رجلاً أميناً، ولو أنك حدثت الناس حديث الرجل الصادق الأمين كأنك تعرض عليهم عجائب المخلوقات وتحدثهم عن خوارق العادات!
ولا فرق بين كذب الأقوال وكذب الأفعال في تضليل العقول والعبث بالأهواء وخذلان الحق واستعلاء الباطل...
ولو كشف الله للإنسان عن سريرة الإنسان لرأى منها ما يرى من غرائب هذا الكون وعجائبه، وأنك لترى الصديق فيعجبك منه حديثه الحلو، وثغره المبتسم وإعجابه بشمائلك ومحاسنك، ولو كشف لك ما في داخل نفسه ما كُشف له منها لوددت أنّك فررت منه فرارك من الأسد!
ولولا ما أسدل الله دون السرائر من الحُجب لبُدّلت الأرضُ غير الأرض، وكان للكون نظام غير هذا النظام وللتاريخ صفحات غير هذه الصفحات... ولكنه التملّق الزائف والنفاق السياسي والاجتماعي والثقافي بل حتى الديني! فلو علم جهلة المتدينين أن رؤساء الأديان كثيراً ما يشترون عقولهم وأموالهم وولاءهم بالقليل التافه من المدهشات الدينية والأحلام النفسانية بل والشيطانية ويملأون قلوبهم بالمخاوف والمزعجات ليبيعوهم (مفتاح الجنان) والأمن والأمان! - فلو علموا ذلك - لضعفت أصوات النواقيس وأجراس الكنائس، ولهلك أرباب الطيالس والقلانس جوعاً وسغباً، ولأصبحت حبّات السّبح أكسد في سوق الأديان من سلى الجزور في سوق الأنعام!
ختاماً:
صديقك الذي يبتسم لك ويضحكك في حال رضاك وسخطك وحلمك وجهلك وصوابك وسقطك ليس ممن يحرص الإنسان على صحبته أو يثق بصداقته لأنه لا يصلح أن يكون مرآتك التي تتراى فيها فتكشف لك عن نفسك وتصدقك في زينك وشينك وحلوك ومرك، وهو إما جاهل متهور في ميوله وأهوائه فلا يرى غير ما تريد أن تراه في نفسك، وإما منافق مخادع قد علم أن هواك في الصمت عن عيوبك وتعليقها بشماعة، فجاراك في ما تريد لينال منك ما يريد!
وانت ترى الناس يعكسون القضايا ويقلبون الحقائق!
وبالنهاية الحي يقلب!