أتقدّم إلى رئيس مجلس الأمّة أحمد السعدون بمناشدتين: الأولى بقصد تحصين وتنمية الدور الحيوي الذي يمارسه ديوان المحاسبة، والثانية بغرض تعزيز الشفافية والمهنية في إجراءات تشريع القوانين بمجلس الأمّة.
الهدف من إنشاء ديوان المحاسبة هو تحقيق رقابة فعّالة على الأموال العامة. وهذا الهدف لا يمكن أن يتحقّق إذا كان رئيس الديوان منخرطاً أو متأثراً بالتجاذبات السياسية. والشواهد على ذلك متعدّدة، من بينها المواقف السلبية من قبل نوّاب – أقسموا على الذود عن أموال الشعب – تجاه شبهات تعدّي بعض قرنائهم على المال العام، والأدوار المشبوهة التي مارسها نوّاب في لجان التحقيق حول شبهات فساد شركات مقاولات يمتلكها رفاقهم في تكتّلات سياسية.
لذلك، رغم أهمّية وضرورة شرط المهنيّة العالية (التخصّص والخبرة) في اختيار رئيس الديوان، إلا أنه مسبوق بشرط الاستقلالية، وبالأخص عند التعرّض لضغوطات بصورها ودرجاتها الأشد.
وعليه، ومن باب تعزيز فرص اختيار الأكفأ لرئاسة ديوان المحاسبة، وانسجاماً مع مطالبات النوّاب المتكرّرة بتقنين اختيار القياديين، أناشد الرئيس السعدون دعوة أهل الاختصاص والخبرة إلى الترشّح لشغل منصب رئيس الديوان، وتقديم طلبات الترشّح والسير الذاتية إلى مكتب المجلس، عبر بوابة الأمانة العامة لمجلس الأمّة على شبكة الإنترنت. ثم نشر جدول المفاضلة بين المرشّحين – من دون ذكر أسمائهم – وفق شروط ومعايير المفاضلة التي يحدّدها ويعلنها مكتب المجلس قبل فتح باب الترشّح. وذلك احتراماً لحق الشعب «مصدر السلطات» في الاطلاع على إجراءات الاختيار.
وأما مناشدتي الثانية فهي لتعجيل توفير تقارير اللجان البرلمانية على شبكة الإنترنت، عبر منصّة «نظام المعلومات البرلمانية» التابعة لأمانة مجلس الأمّة، وبالأخص التقارير الخاصة بمشاريع القوانين. حيث لاحظ متابعون تبايناً شاسعاً في الفترات المستغرقة لتوفير التقارير، الممتدّة من تواريخ إصدارها من اللجان المعنية إلى تواريخ نشرها على شبكة الإنترنت.
فعلى سبيل المثال، ابّان المجلس المبطل الثالث، لوحظ أن تقرير اللجنة المختصة بأحد مشاريع القوانين – ذات الأولوية الشعبية – توافر على شبكة الإنترنت قبل موعد مداولته الأولى بفترة كافية، سمحت للمهتمّين بتقييمه وتقديم مرئيّاتهم وملاحظاتهم عليه. ولكن تقرير اللجنة في شأن مشروع القانون نفسه تأخّر نشره أسابيع عن الموعد الأصلي لمداولته الثانية، الموعد الذي تأجّل مراراً لغياب الحكومة آنذاك عن الجلسات.
لذلك، تساءل متخصّصون مهتمّون بمشروع القانون إن كان تأخير نشر التقرير متعمّداً بهدف تعطيل دورهم الطبيعي في إقرار القانون. فمن غير المقبول اليوم، بعد كل هذه الطفرات المتسارعة في تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، وبعد كل هذه الخطابات عن الشراكة بين المجلس والشعب، أن يتداول المجلس مشاريع قوانين قبل أن يُمكّن الشعب من الاطلاع على تقارير اللجان في شأنها.
للأسف، خلال الأيّام الماضية، العديد من لجان المجلس أصدر تقارير في شأن مشاريع قوانين. وخلال هذا الأسبوع، المجلس بدأ عقد جلساته الاعتيادية والخاصة، وفي هذه الجلسات تداول وسوف يتداول المجلس مجموعة من مشاريع القوانين. ولكن حتى يوم أمس الأربعاء، وقت كتابة المقال، منصّة «نظام المعلومات البرلمانية» كانت خالية من تقارير اللجان.
في الختام، أدعو عموم الإصلاحيين إلى دعم المناشدتين السابقتين، وجميع المبادرات الإيجابية التي تطرح داخل وخارج المجلس، من خلال إبداء المرئيّات والملاحظات المبدئية الموضوعية في شأنها، من أجل تطويرها أو تكييفها مع الواقع المعاش. وأحذّرهم من مغبّة المغالاة في تأييد مَن يعتبرونهم إصلاحيين والتطرّف في معاداة مَن يعتبرونهم مفسدين، على حساب الإصلاح ذاته، عبر التشكيك في النوايا – مثلاً – بهدف تخفيف المسؤولية عن شخص أو تكتّل برلماني أو سياسي.
اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.
abdnakhi@yahoo.com