أعكفُ حالياً على قراءة كتاب جميل للدكتور السعودي خالد المنيف، عنوانه (المرحلة الملكية) يعرّف هذه المرحلة بأنها مرحلة الهدوء والاستقرار ويقول (كلمة الملكية ترمز الى أمرين كلاهما جميل؛ أولهما فخامة المرحلة وروعتها، والأمر الثاني يعني أن حياتك ستكون مِلكاً لك وستهنأ فيها بممتلكات واسعة من الفرح وراحة البال).
فعلاً يجب أن يأتي للإنسان وقت يشعر بملكيته لنفسه وملكيته لوقته، الدنيا مراحل عديدة في بداياتها تكون مرحلة التأسيس والجد والاجتهاد، ومن ثم مرحلة جني هذا الغرس مع التطوير والتعلّم واكتساب الخبرات وتنتهي بالمرحلة الملكية؛ مرحلة تملك الذات ومنطقة الهدوء وراحة البال، لذا على الإنسان أن يعطي كل مرحلة حقها في ما تستحقه.
يلمح الكاتب لأبرز ملامح هذه المرحلة ويلخصها في أمور عدة فيقول: (في هذه المرحلة لن تتورّط في جدالات تافهة ولن تستدرج لمعارك صغيرة ولن تبذل جهداً على ما لا يستحق من مواضيع)، كذلك يقول في هذه المرحلة (لن تسلّم عقلك لأحد ولن تجعل من حولك يفكر عنك، أحكامك على الآخرين أنت مَن يقرّرها وفي هذه المرحلة ستصدر أحكاماً مُنصفة عادلة لا عَجلةَ فيها ولا اندفاع).
وهذا ما نحتاجه حقيقةً في وضعنا المحلي والسياسي... لقد أصبحت الناس للأسف تنقاد وراء حسابات وهمية في «السوشيال ميديا»، ومعظم أخبارها ظلم وتلفيق لمصلحة أناس ضد آخرين، لذلك هي نصيحة محب لا تنقاد وراء كل ما يكتب وتحكم على الناس وشرفهم وأماناتهم من معلومة قيلت في حساب وهمي لا تعلم من يخط كلماته، الظلم ظلمات يوم القيامة.
ويعطي الكاتب وصفة للتخلص من ضغوطات الحياة عن طريق عدم مراقبة الناس، وألا تجعل نفسك مديراً للكرة الأرضية، وألا تبالغ في العصبية ولا تكن حاد الطباع، ويجب عليك أن تتقبّل الماضي وتستفيد من تجاربه، وإذا هممت بأمر ابذل جهدك ونم قرير العين.
ويختم هذه النصائح بالتخلص من بعض العلاقات التي تسبّب لك ضغطاً نفسياً فالدنيا ليست متوقفة على أحد.
كلنا يأتي علينا الوقت الذي نحتاج أن نعيش هذه المرحلة الملكية لنستمتع بما لدينا من نعم ونزهد في ما لدى الآخرين، يجب ألا نلتفت لصغائر الأمور مع أن كل الأمور صغائر ولا تستحق هذا العناء أو الغضب، نحتاج إلى هدوء النفس وسلامة الصدر، نحتاج ألّا نتورّط في معارك تافهة ولا نسلّم عقلنا لأحد، وليس من الضروري أن نحشد كل الأدلة لإثبات كذب الكاذب ولا خيانة الخائن، ومن أهم الأمور هي ألا تقارن نفسك بأحد فأنت أنت وهم هم.
أتمنّى وأنت تقرأ هذا الكتاب تسترجع شريط ذكرياتك وتقيّم سلوكك وتسأل نفسك هل كنت محقاً في سلوكي وخطواتي وتقييمي للأمور، هل ما كنت منزعجاً منه يستحق هذا الانزعاج، كم من الوقت أضعت وكم من الفرص أهدرتها لتستفيد منها على مستوى نفسك وعائلتك وأصدقائك، هل المعارك الجانبية كانت مستحقة، اسأل نفسك كم قريباً خاصمت وكم صديقاً خسرت، هل كانت مستحقة أم لأسباب تافهة؟
في هذه المرحلة نحتاج إلى جلسة صفاء ذهني تعيد تقييم كل التصرفات والسلوك والقرارات وردود الأفعال، الدنيا قصيرة والمسلم بطبعه ليّن سهل. كل الشكر للدكتور خالد المنيف.