لا تخلو طفولتنا الخليجية من قصص الرعب والتخويف وإثارة الخيال المرعب في أذهان الأطفال، وتعبئة الشخصية بكمية لا بأس بها في تحويل الصلابة النفسية إلى هشاشة سلوكية واجتماعية، ومن أشهر الحكايات والقصص هي حكاية أم السعف والليف.
المعنى الفعلي لهذا المسمى هي أن النخلة تحتوي على السعف والليف، أي مشهد جميل لهوية تمثل بيئتنا إلا أن أحدهم قرّر أن يستمد من جمال النخلة قصة مرعبة وابتكر قصة باسم «أم السعف والليف» وتوارثها الجميع. الهدف منها إخافة الأطفال وحمايتهم ومنعهم من الخروج من المنزل في الأوقات التي لا يرغب الأهل بخروج أطفالهم فيها، خصوصاً فترة الليل المتقدم من ليالي الشتاء الباردة والمظلمة، حتى لا يصاب الأطفال بنزلات البرد.
متخيلون الربط الظالم الذي صوّر جمال النخلة بقصة مرعبة. ولا عزاء للحكاية ذاتها لا يقف الظلم على هذا بالوصف، بل كانت امرأة عجوزاً ذات شعر أشعث وتتكلّم بكلام غير مفهوم وهنا وقفة أخرى.
ربط صاحبات الشعر الأشعث والمتقدمات بالعمر بفكرة أنهن جنيّات ومرعبات، أما عن القصة فجاءت مختلفة بالدول بتفاصيل صغيرة ولكن الفكرة واحدة أنها امرأة تسكن البيوت المهجورة أو تخرج من المزارع أو تسكن أعلى النخل وأن يديها على شكل أوراق النخلة وتتكلّم كثيراً في حال المطر وهبوب الرياح تكون موجودة أعلى النخلة وتصدر أصواتاً مرعبة وتأكل كل مَن يقترب منها، لذلك عليهم قراءة القرآن والتعوذ منها لتذهب بسلام، لأنها جنيّة كما وصفوها لنا وتخرج في فصل الشتاء، وأم السعف والليف تظهر ليلاً وبالشتاء.
أما عن الصيف فكيف يخوفون الأطفال؟
يتبعون صورة أخرى من التخويف لا تقل بشاعة عن سابقتها، وهي امرأة وجهها ورجلها على شكل حمار. وتدعى بالخليجي (حمارة القايلة) والقايلة منطقة الظهيرة. وظيفتها أن تأكل الأطفال الذين يخرجون في هذا الوقت، أي ربطنا خوفاً في الليل وصنعنا خوفاً في الظهر وربط الأوقات بالشرط المخيف حسب العالم بافلوف، في الأشراط الكلاسيكية هذا ينشئ خوفاً في الوقتين اللذين تم تثبيت الخوف فيهما الآن.
لماذا هذه المقالة؟ لأنّ هناك تحليلاً نفسياً عميقاً مهماً أن على مر الحضارات واختلاف البيئات يتم صناعة الخوف من الطفولة من خلال تعبئة العقل بتصورات غير حقيقية عن حركة الأشجار أو هطول الأمطار أو شكل البشر، أو وقت الحدوث ويكون هذا متواجداً بالعقل الجمعي للمجتمعات وتتوارثه الأجيال بلا وعي بالآثار النفسية المدمرة له، ولأن الخوف شعور معروف لكن الاستجابة له مختلفة بين البشر. فقد يمر أحدهم فيسمع صوت نخلة فيمر بسلام وآخر يركض وثالث لا يمر بجانب النخلة أصلاً، كما أن منظر الليل والنخل منظر غير مريح ومخيف.
قد يحدث مع الوقت للبعض، أي أن تراكمات الطفولة يدفع ثمنها الشباب، وما ترويه لأطفالك يشكّل معتقداتهم عن الحياة ولن تتشابه الاستجابات عند البشر، فقصة أم السعف والليف قد تنشئ شباباً يخاف من الشعر الكثيف جداً أو يخاف من المرأة العجوز أو يخاف من صوت النخل، أو من صوت مشابه لمن روى القصة أو من عين تشبه الراوي أو أي موقف شرطي كان بجانبه وأنت تروي القصة. وقد يرعبه الظلام كل ذلك من قصة تروى لسبب مقبول بوصف غير مقبول وبطريقة مدمّرة نفسياً.
عزيزي المعني بالتربية، ابنك وصحته النفسية مسؤوليتك قبل أن تقرأ أي شي لأطفالك فكر بالبعد النفسي للقصة عليهم حتى لا تشوه طفولتهم وتشغل شبابهم بمشاعر ليست خاصة بهم. بل اكتسبوها من قصص خيالية ووهمية ومدمرة شعورياً لهم.
بالمناسبة، عند الإغريق هناك إله اسمه بان، كان يقتل كل فتاة لا تريده ومن هذا الاسم تمت تسمية panic attack هل الموضوعان متربطان. عليك التفسير؟ تحياتي.