كلمة صدق

كوكب القِردة

تصغير
تكبير

في عام 1963 تم نشر رواية خيالية بعنوان «كوكب القردة» للفرنسي بيير بول، والتي لاقت رواجاً واسعاً، وتحوّلت إلى أكثر من مسلسل تلفزيوني وفيلم سينمائي.

تحكي الرواية رحلة فضائية لبعثة مكونة من عالم فضاء وصحافي وطبيب إلى نجم بيتلجوز، وقد هبطوا على كوكب تابع له اسمه سورو، يشبه الأرض بغاباته وأنهاره، ولكنهم وجدوا القردة تحكم هذا الكوكب. بعد مغامرات على كوكب سورو عاد من تبقى من البعثة على مركبة بسرعة الضوء إلى الأرض التي تبعد قروناً عن سورو ليكتشفوا أن الأرض يحكمها أيضاً القردة، بعد أن خربها الإنسان.

لا يأتي عنوان المقال من باب السخرية أو من باب الإثارة كلّا، لكن ما يحصل في الأرض من انهيارات أخلاقية غير مسبوقة ورسمية أحياناً جعلت هذا العنوان لرواية خيالية قريباً من الواقع، لما يقوم به بعض البشر من سلوكيات.

كل يوم يشاهد الجميع في وسائل الإعلام المختلفة، معاناة كثير من أولياء الأمور مع أطفالهم في المدارس في كثير من الدول الغربية، بسبب الأنشطة الجديدة للمدارس التي تعلّم بها التلاميذ والأطفال مواضيع تتعلّق بانحرافات أخلاقية تحت مسمى خادع وهو المثلية.

اضطرابات بين الأسر هناك، عائلات ترسل أبناءها ليتعلموا الجغرافيا والتاريخ والفيزياء والكيمياء، بدل ذلك يتم استغلال هذه المؤسسات لتعليم الأطفال الشذوذ.

ولو أن مشكلة الشذوذ موجودة عبر التاريخ، إلا انه لسوء حظ الجيل الحالي أنه يتعرّض إلى تحدي عودة قوم لوط من جديد لكن هذه المرة تحت لباس حديث وتحت عناوين جذابة مثل الحرية الشخصية أو الأبحاث العلمية.

ولعلّ المروج الأول لهذا الانحراف في العصر الحديث هو الفريد كينزي، هذا المنحرف المتلفع زوراً برداء البحث العلمي قد قام بوضع سلم للميول، قسم به الذكور والإناث إلى أكثر من جنس، فليس كل البشر حسب سلمه ذكوراً كاملين أو إناثاً كاملين، بل قد يكونون خليطاً من ذلك. وبنى استنتاج استطلاعاته على عينات منتقاة لا تعكس المجتمع بشكل حقيقي كما يقول كثير من النقاد لأبحاثه.

الطامة الثانية جاءت مع جون موني، الذي وطد انحراف ألفريد كينزي، فقد انتزع موني من الأطفال براءتهم، بادعائه أن الأطفال محايدون، فهم ليسو ذكوراً ولا أناثاً، لكن المجتمع يجعل منهم أناثاً أو ذكوراً!

هذه الأبحاث والاستنتاجات التي تدعي أنها أبحاث علمية، كانت الركيزة الأساسية التي وفرت الغطاء الفكري للاكتساح الذي تقوم به حركة الشواذ بالعالم، إلى أن وصلت بهم القوة والجرأة، أن يتحدث منهم من هو وزير دولة كبيرة يفتخر بعلاقته الشاذة مع زميله، ويصفق له الحضور.

بعد هذه الدراسات لألفريد ماكينزي وجون موني، جاءت المرحلة الثانية، وهي دعم من دول قوية وكبيرة للمنحرفين تحت مسمى حرية الاختيار، بادعاء أنها حرية شخصية لا تتضارب مع مصالح الآخرين.

فهل إذا قام شخص باقتحام محل جواهر وسرقة ما فيه من المجوهرات، هل هذه حرية شخصية؟ الشرق والغرب يجيب لا. كذلك اقتحام المجتمعات وتدمير النسل فيها، وتحطيم العلاقات الطبيعية فيها وسرقة براءتها وعذريتها وقطع نسلها، ليست حرية شخصية.

ثم من قال إن اتباع الرغبات الشخصية مهما تكن أمر مقبول وعادي، وأنها لا تضر الآخرين؟ أليست هذه الميول المنحرفة والشهوات وإطلاق العنان لها هو ما قاد المجتمعات الغربية إلى أرقام متصاعدة من العنف وجرائم القتل والاغتصاب وخطف الأطفال والانتحار.

المجتمعات الغربية تزيد العيادات النفسية، وعدد الشرطة، وكاميرات المراقبة، لكن كل ذلك لا ينفع ما لم يتم معالجة جذور المشكلة، وكيف يعالج جذورها من ابتذر بذرتها!

يا ترى هل يحتاج العالم هذه الأيام وبعدما تجرأ المسوخ في التطاول على الأسوياء من البشر، إلى روائي جديد ينافس بول بيير في قبره، ويقوم بإنتاج رواية جديدة، لكوكب القردة في القرن الواحد والعشرين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي