رغم مرور نحو 3 أسابيع على قرار وزير التربية وزير التعليم العالي الدكتور حمد العدواني، إيقاف الإيفاد المباشر لدراسة الطب في مصر والأردن بدءاً من العام الدراسي المقبل 2023-2024، لم يخفت الحديث بخصوص القرار وأسبابه بين مؤيد بقوة ومعارض بشدة.
وما يكسي القرار ومن خلفه الجدل المفتوح بخصوص دوافعه أهمية مضاعفة أن مقيميه انقسموا فنياً وسياسياً، واتسع النقاش في شأنه ليشمل جميع من له صلة بالقرار دون استثناء وبدا هناك ازدواج في الرأي النيابي، والأمر نفسه بين أهل الاختصاص وخارجه والطلبة وأسرهم، إلى حدود جعلت القرار مترنحاً بين مؤيد ومعارض دون توافق بما يعاكس القرارات المستقرة.
وللتذكير شمل القرار إيقاف بعثات أبناء الديبلوماسيين، فضلاً عن إيقاف الضم إلى بعثات الوزارة إلى مصر والأردن، للطلبة الذين سيلتحقون بالدراسة على نفقتهم الخاصة لتخصصات الطب البشري، وطب الأسنان، والصيدلة.
وتضمن القرار أيضاً إيقاف تغيير التخصص في الجامعات للطلبة الملتحقين بالدراسة في الأردن ومصر، إضافة إلى إيقاف نقل مقر الابتعاث إليهما.
وبعيداً عن الاختلافات العلمية العميقة بخصوص القرار لا أحدٍ ينكر استحقاق إصلاح التعليم ووضع النهوض به كأولوية وطنية، وركيزة أساسية لنهضة الوطن، باعتباره أحد أهم متطلبات برامج التنمية الشاملة والمستدامة في البلاد.
لكن أثناء النقاش المتجدد بهذا الخصوص وبعيداً عن رأي الفريق المؤيد لقرار وقف الابتعاث لمصر والأردن بذريعة ضعف الجودة، وذاك الفريق المعارض مستشهداً بمخرجات طبية عالية الكفاءة من البلدين، تبرز نقطة جوهرية وهي باختصار أن القرار خالف النهج الإصلاحي التقليدي الذي يتطلب أن تكون بداية معالجة خلل المنظومة التعليمية من الداخل وليس الخارج.
وبعيداً عن التشكيك في سلامة قراره ودوافعه ووجاهة رأي الوزير الذي يدعم اتخاذه القرار من ناحية، وتسليماً بفرضية رجاحة القرار وأن سببه الحقيقي ضعف المنهج التعليمي الطبي في البلدين المحظورين بقائمة الوزارة ليس منطقياً أن يقفز المعنيون بالتعليم على أزمة جودة التعليم المتدنية في الكويت ويذهبون لأبعد نقطة اعوجاج بالخارج ويقررون إصلاحها في البداية، ليكونوا بذلك كمن يتجاهل الحفرة العميقة التي تدنو من تحت قدمه رغم عمقها وخطورتها، ويأخذ حذره من الحفرة الموجودة في الطرف الآخر.
وما يزيد المفارقة حول تناقض أولويات إصلاح التعليم محلياً أنه وحسب تصنيف مؤسسة QS) Quacquarelli Symonds) العالمية، لأفضل الجامعات حول العالم لسنة 2023، واصلت جامعة الكويت تراجعها ولم تحرز أي تقدم، وظلت تراوح مكانها في ذيل القائمة (في المرتبة 1001 - 1200)، ما يعني أنه لم يتخذ في شأن ذلك أي تدابير وإجراءات ملموسة لتحسين التصنيف الذي يتعين أن يكون على رأس الأولويات وفي بدايتها.
ونتيجة حتمية لهذا التصنيف المتدني لجامعة الكويت عالمياً كان من الأولى أن يبدأ إصلاح منظومة التعليم من الداخل بتبني خطة تطوير شاملة وفقاً للمعاير العالمية، على أن يشمل التحرك لذلك رفع الجودة بمعايير عالمية، وتحسين مخرجات التعليم بما يواكب متطلبات سوق العمل الحالية والمستقبلية وبما يراعي المتغيرات الرقمية التي طرأت وفرضت نفسها على أسواق العمل عالمياً.
وإذا تحقق ذلك يكون مستحقاً تحت باب الرفاهية الفكرية الانتقال بخطط إصلاح التعليم للخارج، لأنه ومن دون هذه التراتبية يكون الوضع أشبه بمن يضع العربة أمام الحصان، وليس العكس، ووقتها لا يمكن منطقياً توقع أن تتحرك دواليب إصلاح التعليم للأمام.
ولذلك، لن تنجح أي جهود للارتقاء التعليم في الكويت ما لم تكن حقيقية وواقعية ومحددة الأهداف، على أن تكون البداية من الداخل وعبر مبادرات ومشاريع تطوير وفق منظومة تعليم صحية مستدامة.
الخلاصة:
ربما يكون مفيداً هنا الإشارة إلى أن ما ينطبق على مسار أولويات إصلاح التعليم في الكويت ينطبق على جميع الوزارات، حيث يتعين على كل وزير أن يبدأ تحركه للتطوير حسب الأولوية تفادياً لتشتيت الجهود، فالتطويرات القريبة التي تحدث في أي جهة حكومية يكون لها عوائد متعددة تتلاقى جميعاً لتشكل تمهيداً مستحقاً لتحقيق تكامل أوسع في التطوير المستهدف.