قيم ومبادئ

توظيف النصوص!

تصغير
تكبير

التأويل بمعنى تفسير النص وبما يؤول إليه الشيء في النهاية.

كان هذا المفهوم العام السائد عند الجيل المؤسس من رجال الدولة الذين تعاملوا مع نصوص الدستور بهذه الروح حتى أصبحت الكويت مستقرة سياسياً واقتصادياً، ولكننا اليوم أصبحنا في حال اختلف اختلافاً يكاد يكون جذرياً عما كنا عليه، خصوصاً مع مستجدات الحياة التي اختلطت مع سباق المصالح وحمايتها؟ وتحت وطأة شعارات ضرورات التطور ومسايرة ركب الحضارة - كما يقال - فتحول معنى التأويل إلى معنى ثالث مخالف، بل ومتعارض مع فحوى الدستور حيث صرفوا الألفاظ عن ظاهرها ومدلولها إلى مدلول آخر يعينونه هم حسب أهوائهم ورغباتهم!

وهذا هو في حقيقته العبث السياسي الذي نعيشه اليوم، وعلى هذا الأساس المتين نقول إن تفسير الدستور أنواع وأوله ما جاء في المذكرة التفسيرية التي فسّرت بعض مواد الدستور حتى يُفهم معناها الفهم السليم، وهذا التفسير لا يُعذر أحدٌ في عدم فهمه، والنوع الثاني تفسير بحسب اللغة العربية وما تعرفه العرب من لغاتها مثل معنى الحرب والسلم والاتفاق والتعاون، والنوع الثالث من التفسير يكون من اختصاص المحكمة الدستورية وهي مدرسة راسخة وصمام أمان في حال الاختلاف الدستوري الناشئ بين أي طرفين.

أما التأويل المذموم للدستور وهو النوع الثالث، فهو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، وإنما لجأوا إليه مبالغة منهم في فهم معنى الحريات والحقوق المدنية وحرية الرأي، وهذا الزعم الباطل أوقعهم في كثرة المخالفات للدستور والقانون، كما أنه أنتج لنا جيلاً من المغردين الهاربين الذين لا وزن عندهم لكرامة الناس ولا يهمهم المساس في الأعراض والاستطالة بكشف العورات بحجة الممارسة الديموقراطية وكشف الفساد؟ وفي الحقيقة جذور هذه المدرسة الفلسفية ترجع الى سنة 1768 - 1843 وما وضعه (فريدريك شلاير ماخر) الذي نقل التأويل من دائرة الاستخدام اللاهوتي ليكون علماً أو فناً لعملية الفهم للنصوص وشروطها في مستوى تحليلها للنصوص، ومن ثم نقل التأويلية من وضع الاحتكار الوظيفي - لرجال الدين - إلى وضع المشاعية الأدائية عبر الارتقاء بها إلى درجة علم يؤسس عملية الفهم وبالتالي عملية التفسير حتى نصل إلى كشف المتحجّب من المعنى!

وهكذا تناسلت مناهجه وأساليبه في الثقافة الإنسانية التي كانت ترتكز على البحث عن المعنى الأصلي إلى البحث عن أثر النص؟ وهذا ما أثر سلباً على الحراك السياسي، وعليه برزت عندنا ظاهرة غريبة وخاصة من حملة بعض الشهادات العليا في تخصصات القانون... فما ان يضع قدمه على عتبة الحياة السياسية إلا وتجده يثبت وينفي مواد الدستور وفق فهمه القاصر ضارباً عرض الحائط الأعراف والتقاليد الراسخة، فضلاً عن قيم وثوابت المجتمع التي جرى عليها الآباء والأجداد...

فيأتي بالغرائب ليؤصل مفاهيم جديدة لدى جيل الشباب... وشيئاً فشيئاً يتلاشى المبدأ المثالي الذي سار عليه رجال المجلس التأسيسي الذي من خلاله تكون فيه الحقائق الاجتماعية (وربما أيضا الحقائق الطبيعية) رموزاً أو نصوصاً والتي بدورها يجب أن يتم تفسيرها بدلاً من وصفها أو إيضاحها بموضوعية، ولعله لا توجد كلمة في اللغة العربية أثارت جدلاً بين المختصين مثل كلمة تأويل فهي الكلمة التي امتازت بفتح الآفاق واكتشاف المثير والجديد، كما أنها هي نفسها التي أظهرت لنا الطوائف والفرق الإسلامية باختلافها الموضوعي وغير الموضوعي عن نصوص القرآن والسُنة الذي وصل أحياناً إلى حد الاقتتال والتعصّب المذهبي؟... كما أنها أظهرت لنا المدارس النقدية والفكرية والسياسية وهي التي تثير جدلاً واسعاً حتى الآن اليوم والآن بين الفرقاء السياسيين ومفكري العصر الحديث.

والخلاصة أقول: تأويل الكلام هو الرجوع به إلى مراد المتكلم وهو على قسمين الأول بيان مراد المتكلم وهذا هو التفسير.

والثاني ما يؤول إليه الكلام أي ظهور المتكلم به إلى الواقع المحسوس (قالَ يا أبتِ هذا تأويلُ رُؤياي من قبل قد جَعلها ربي حقاً) وهذا في تأويل رؤيا يوسف عليه السلام وكيف تحققت.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي