رؤية ورأي

بداية مُتعثّرة مُقلقة

تصغير
تكبير

«سأبقى كما كنت دائماً، كما كنت دائماً في خدمة هذا البلد، ومن أي موقع، محترماً الدستور دائماً، مدافعاً عنه، مدافعاً عن الديموقراطية... سنبقى أوفياء للمبادئ، أوفياء للدستور، أوفياء للديموقراطية، داعين أيضاً إلى تحالف مختلف الأطراف... مسؤوليتنا جميعاً الآن أن نعمل من أجل مصلحة هذا البلد، منطلقين من أمر واحد فقط لا غير، هذا الأمر هو احترام الدستور».

...ما سبق مقتطفات من كلمة أحمد السعدون، التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية لمجلس 1999، مباشرة بعد الكلمة التي ألقاها الراحل جاسم الخرافي بمناسبة انتخابه رئيساً للمجلس. ومضبطة الجلسة تظهر أن السعدون طلب الكلمة وألقاها قبل انتخاب أمين السر والمراقب، بل قبل توزيع أوراق انتخاب نائب الرئيس، أي في نفس الحين والتسلسل الذي طلب فيه الرئيس السابق مرزوق الغانم مداخلة لتهنئة الرئيس الحالي السعدون.

السعدون، رفض منح الغانم حقا نيابياً أصيلاً، طَلَبَه ومارسه السعدون نفسه وغيره من النوّاب في مجالس سابقة، بل مارسه أيضاً رؤساء حكومات ووزراء سابقون باركوا باسم الحكومة لرؤساء المجالس مباشرة بعد انتخابهم. واستناد السعدون على اللائحة الداخلية لتبرير رفضه طلب الغانم، استناد ضعيف لأن اللائحة ذاتها لا تسمح صراحة للرئيس إلقاء كلمة بعد انتخابه، فكيف سمح السعدون لنفسه إلقاء كلمة تقلّد الرئاسة؟

لذلك، يعتبر هذا الرفض أول عثرة وخطأ نيابي فادح في مجلس 2023. وهي مقلقة لأنها لم تكن فردية، ولم تكن محدودة مقتصرة على هفوة كيل السعدون بمكيالين، بل كانت عثرة مجلس. لأن النوّاب لم يعترضوا على حرمان زميلهم من حق أصيل.

في هذه العثرة المقلقة، العتب على النوّاب المخضرمين أشد من على زملائهم المستجدين، لأنهم عايشوا مراراً هذه الممارسة الأصيلة. والعتب على النائب شعيب المويزري أكثر من غيره، لأنه أحد نوّاب مجلس 2020 – غير المنافسين على الرئاسة – الذين سمح لهم الغانم بكلمة بعد انتخابه رئيساً للمجلس.

المقلق أكثر في هذه العثرة هو تصفيق الجمهور، الذي يفترض أن يكون مجموعة من المواطنين المطلعين والملمّين بالدستور واللائحة الداخلية المتابعين والمراقبين لجلسات وأنشطة المجلس. فهذا التصفيق بمثابة تأييد لقرار حرمان نائب من ممارسة حق أصيل. وهذا التصفيق مقلق ليس لارتباطه بهفوة الكيل بمكيالين الثانية من طرف السعدون، الذي على عكس عادته سمح للجمهور بالتصفيق والتعليق بصوت عالٍ، بل في كون المصفّقين عينة من الشعب وتصفيقه مؤشّر ثقافته النيابية.

لذلك، أدعو النوّاب الإصلاحيين إلى احتواء العثرة، والتأكيد – من خلال المنصة الإعلامية في المجلس «البوديوم» وغيرها من المنصّات الإعلامية – على أهمية كلمات التهنئة التي تلي انتخاب رؤساء مجالس الأمّة. فكلمة الرئيس المنتخب وكلمات التهنئة التي تتبعها – سواء كانت من قبل منافسين على الرئاسة أو من قبل غيرهم – غرضها الأساس إما تفريغ المجلس من تشنّجات وترسبّات المنافسة على الرئاسة واما إعلان مرئيّات وأطر التعاون في ما بين التكتلات النيابية، التي من بينها تكتّل الرئيس.

هناك عثرات أخرى في الجلسة الافتتاحية، من بينها تمكين بعض النوّاب من تصوير ورقة انتخاب نائب الرئيس. وهذه العثرة أيضاً منسوبة للمجلس وليست مقتصرة على من صوّروا أوراقهم بأريحية.

هناك أمران ملفتان للانتباه في الجلسة الافتتاحية. الأول هو أن النوّاب الذين بادروا بإقناع النائب داوود معرفي سحب ترشّحه لرئاسة المجلس، وهو حق أصيل متّسق مع الدستور واللائحة الداخلية والأعراف النيابية، لم يسعوا لإقناع السعدون العدول عن قراره التعسّفي حرمان الغانم من كلمة التهنئة. والأمر الثاني هو أن الجلسة لم ترفع عندما انسحبت الحكومة من الجلسة – قبل إعلان معرفي سحب ترشّحه للرئاسة – ولم يطالب أحد من الحكومة ولا من النوّاب رفعها... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي