أما وإن وضعت انتخابات مجلس الأمة 2023 رحاها، وأفرزت النتائج نواب المرحلة المقبلة، يبدأ عهد جديد يفترض أن يركز مسؤولوه على فقه الأولويات التقليدية المتبعة في أيّ دولة، حيث بداية تصحيح المسار لاسيما إذا كان الوضع المالي والاقتصادي يُعاني من تحديات هيكلية تحتاج لحلحلة سريعة.
بالطبع، الأعين معلقة على تشكيلة الحكومة المرتقبة ليكتمل معها المشهد السياسي دون نقصان، فمع اكتمال أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية، يكون السؤال المستحق ماذا بعد؟
مرّت الكويت في آخر 10 سنوات بمرحلة تجاذبات سياسية كبيرة بين السلطتين عطلت معها جميع محركات التنمية، حارقة مع ذلك العديد من الفرص التنموية دون سبب يُذكر سوى عدم تمكن المجلسين من التفاهم لتجاوز المرحلة بصياغة حصيفة للمستقبل. وما يزيد المفارقة مفارقة أن تغيير التشكيلتين النيابية والحكومية 6 مرات خلال السنوات العشر الماضية وتحديداً منذ 2012، لم يُشكّل حافزاً لتغيير النهج النيابي الحكومي في تغيير ضبابية المشهد السياسي والاقتصادي.
وكنتيجة حتمية للعراك السياسي المستنفذ لجميع طاقات الدولة توقفت كل أوجه التنمية ودخلت الميزانية العامة زمن العجوزات لثماني سنوات عجاف متتالية، لدرجة أن المخاطر وصلت سيولة الرواتب، هنا لعل الجميع يتذكر التصريح الحكومي المشهور في منتصف 2020 والذي حمل جرس إنذار دون أن يتفادى مخاطره أحد حتى الآن، والذي جاء مفاده بأن سيولة صندوق الاحتياطي العام شارفت على النفاد وقد لا تتمكّن الحكومة من دفع الرواتب قريباً.
ومن أزمة الرواتب المهدّدة لغالبية المواطنين وما حملته من مشهد مالي سوداوي في دولة غنية بحجم الكويت وكثافة شعبها الصغيرة، إلى تراجع مؤشرات الكويت في جميع الأوجه التنموية، اقتصادياً وصحياً وتعليمياً وسياسياً، وطرق وخدمات مختلفة، نهاية بأزمة سوق العمل الذي أصبح عاجزاً بشهادة حكومية عن استيعاب خريجي الجامعات والذين تقدر أعدادهم وفقاً لصندوق النقد الدولي بنحو 100 ألف خريج خلال السنوات الـ5المقبلة.
ووسط كل هذه المنحنيات المالية والاقتصادية والتي كانت تعاني من التجذّر سنوياً خلال الفترة الماضية بدأ المواطن يشعر بالقلق على نفسه، وعلى أجياله المقبلة. بعد أن باتت حقوقه حتى البدهية منها مسلوبة.
وأثناء ذلك، برز الحديث الرسمي ينفتح عن انتهاء دولة الرفاه، دون أن يوازي ذلك تصحيحاً للمسار يعدل الاتجاهات من الهبوط الحر للصعود المستحق، رغم ما تتمتع به الكويت من ملاءة مالية تجعلها بسهولة لاعباً رئيسياً في أسوق التنمية المفتوحة من حولها شرقاً وغرباً بشكل عمودي، وبمشاريع مليارية كان من مؤشراتها زيادة نسبة الدخل غير النفطي للدول الخليجية وأبرزها السعودية التي سجلت نمواً غير نفطي في ميزانيتها بالربع الأول من العام المالي الحالي بنحو 9 في المئة.
وكويتياً تجدّد حديث المؤسسات الدولية والتقديرات الحكومية محلياً بأن عجز السنة المالية الحالية قد يصل 6.5 مليار دينار، وأن هذا العجز قد يمتد للعام 2027، ما يستدعي زيادة معدلات الطوارئ نيابياً حكومياً في مواجهة التحديات المالية.
وهنا يكون مفيداً الإشارة إلى أن الحديث عن أزمات السنوات العشر الماضية لا يُعد عاطفياً ويُشكّل تقليباً في النيران لكنه دعوة وطنية صادقه لضرورة التعاون المثمر بين السلطتين لإطلاق مرحلة البناء، وتجاوز تعقيدات المرحلة السابقة، على أن يكون ذلك وفقاً لإستراتيجية حكومية نيابية واضحة ومحددة لجهة المستهدفات والجدول الزمني الملزم لكل ذي سلطة سواء حكومياً أو نيابياً.
وما يزيد وجاهة هذا الحديث وفي هذا التوقيت بالذات أنه وببساطة وبعيداً عن أيّ تعقيد ستؤدي العودة إلى التأزيم بين السلطتين لاستعادة مشاهد التخلف التنموي مجدداً في وقت تضيق فيه فرص النهوض، وتتآكل معطيات التعويض اقتصادياً في كل اتجاه.
عودة مرة ثانية للمربع الأول... أما وإن قال المواطن كلمته في صندوق الانتخاب بغض النظر عن اختياراته، إلا أن تعقيدات المرحلة الحالية مالياً واقتصادياً، والمخاطر الجيوسياسية عالمياً واقليمياً تجعل الكويت غير بعيدة عن تداعيات هذه المخاطر، ما يفرض على المسؤولين نيابياً وحكومياً تقديم المسؤولية الوطنية عن أي اعتبار آخر، وإبراز الحصافة في صياغة مستقبل يتجاوز تحديات الماضي وتعقيداته، لأنه ودون ذلك لن تكون أي مرحلة بناء قادرة على تفادي استمرار سير الكويت في الاتجاه المعاكس خليجياً وعالمياً.
الخلاصة:
أيها السادة أصحاب السلطتين في الكويت التنفيذية والتشريعية، اليوم بات يومكم في إحداث التغيير المستحق للبلاد وللمواطنين على جميع الأصعدة، ولتصحيح المسار مدفوعين بحقوق المواطنين المعطلة منذ سنوات، وحقوق الأجيال القادمة التي تستلزم من كل صاحب قرار المشاركة في تحقيق الانفراجة اقتصادياً، واستغلال ثروات الكويت أحسن استغلال، وبما فيه مصلحة مستدامة لجميع المواطنين وأبنائهم.
اليوم، المواطن ليس في حاجة لسماع المزيد من الأعذار التجميلية للمواقف السياسية، وتحميل كل طرف للطرف الآخر مسؤولية الغرق سياسياً واقتصادياً، اليوم الجميع بحاجة من السلطتين لإطلاق صافرة البداية لمرحلة البناء، والتي تأخرت سنوات طويلة.
الفترة المقبلة يفترض أن تعكس نيابياً وحكومياً القدرة على العطاء المستحق والمدروس للكويت ولتعويض شعبها على ما فاته من حقوق، تحول الحديث عنها بين المواطنين من باب التندر وتمنية النفس بحلم الإصلاح.
اليوم، يبدأ الشعب مع السلطتين مرحلة جديدة عنوانها العريض... ماذا أنتم فاعلون؟