الرجعي شخص أو كيان يحمل وجهات نظر سياسية تتشوق للعودة إلى حالة سياسية سابقة (الزمن الجميل)، - في نظرهم - وبالتالي فهي في سياق الطيف السياسي اليساري اليميني المتطرف، حيث يمكن لهذه الأيديولوجيات الرجعية أن تُعيد إنتاج نفسها في خدمة إعادة ترسيخ الأوضاع السابقة للتعايش مع الفساد تحت شعار قبول الآخر وعدم الإقصاء؟
و«الرجعية» لفظ مستحدث في أمتنا العربية والإسلامية، وخليقاً بها أن تعمد إلى هذه الألفاظ فتعرف تاريخها ومَن أول من استعملها؟ وفي أي غرض كانت تُقال؟ و«الرجعية» على غُموضها المتُلف للأفهام المؤدي إلى اختلاط الإدراك المُمهد لكل ذي هوى أن يصل إلى هواه باستعمالها، لأنه يحمل معنىً من معاني الفساد في مفهومه الغامض جدير بالتأمل.
فمنذ تبلورت الأحزاب والتكتلات السياسية عندنا في الكويت والناس تعيش في صراع فكري واجتماعي وديني وسياسي، وكان لكل صراع طابعه وألفاظه وكُتّابه وجماهيره، قلّت أو كثُرت وكان المحرّك لهذا الصراع من الخارج وليس من الداخل ومن رجع إلى كُتُب ومؤلفات الحزب البعثي والناصري الاشتراكي والعروبي الثوري وما سطّره قادة هذه الأحزاب في لبنان وسورية ومصر والعراق واليمن، يعرف هذه الحقيقة وكيف انتشر المدّ العمالي الاشتراكي في مواجهة الامبريالية العالمية، فكانت هذه البلاد وبلاد المغرب العربي ميداناً فسيحاً لهذا الصراع، خصوصاً في وسائل الإعلام آنذاك والصحف المقروءة والجامعات والذي تولّى كِبر هذه المواجهة صبيان التبشير وأصحاب الصحف من نصارى لبنان المقيمين في مصر، فأصبح لفظ رجعي يُطلق على كل مَن أنكرَ زيف الحضارة الأوروبية وانفلاتها الأخلاقي والمقترن بالغزو العسكري والسياسي لبلادنا... ثم لم نلبث إلا قليلاً حتى رأينا هذا اللفظ ينتقل للدلالة على الحياة الإسلامية كلها... يستعمله الكتّاب إذا أرادوا التورية عن «الإسلام» تهرباً من أن تنالهم تُهمة الطعن في دين الدولة الذي نص عليه الدستور؟
وفي سنة 1943 ميلادية حين بدأت الحركة الشيوعية في الظهور في الشرق الأوسط استخدمت هذا اللفظ نفسه للدلالة على الأنظمة التي كانت تقاومها لما فيها من الفساد والتعفن، وإن كان اللفظ عندهم أيضاً دالاً على مثل ما كان يدل عليه عند أعوان الاستعمار والتبشير بالحضارة الوثنية الغربية... ثم اتخذ هذا اللفظ معاني كثيرة لبسها، ولكن بقي المعنى «الأول» الدال على «الإسلام» عن طريق التورية فراراً من طائلة العقوبة أو خسارة الجماهير المتعاطفة مع شعارات «الإسلام هو الحل».
فتردّد هذا المصطلح في القنوات الإخبارية الرسمية في الدول العربية وأصبح يطرق أذهان الناس من خلال استعمالهم له بمعنى الفساد الذي شمل حياة الأمة في الميدان السياسي والاقتصادي والتعليمي، وبهذا التمويه القبيح يريد أمثال هؤلاء التالفين أن يشفُوا صدورهم بتضليل الرأي العام المضلل أصلاً بهذه المصطلحات التي روّجوها ولا يعرفون حقيقتها مثل الديموقراطية وسيادة الأمة، ولا أدري عن أي سيادة يتكلّمون والصهاينة وهم حثالة البشر يعبثون بسيادة الأمة وأهم مقدساتها وهو المسجد الأقصى وهو أحد مساجد الأنبياء ولا أحد يحرّك ساكناً!
وعوداً على بدء، ففي عام 1952 خلعوا المسوح الذي ألبسهم إياه الجاسوس البريطاني المحترف في مصر - حرسها الله - كريستوافر ستيف، والتحفوا بمسوح جديد وهو «جماعة إخوان الحرية» بعد طول تدريب وشعارات برّاقة وصيحات رقراقة يستترون وراءها بلا عقيدة ولا مبالاة بالقيم، بل ليتمكنوا من العمل على إحراق «طروادة الجديدة» وهي مصر العربية الإسلامية وتدميرها كما دمّرت طروادة القديمة عند الإغريق؟ فهل عادت قوى الرجعية بيننا اليوم بمسوح جديد؟!