No Script

سافر إلى ذاتك

القُدرة

تصغير
تكبير

سارة، قريبة جداً من خالتها أمل، وتشاركها كل لحظات حياتها، من سفر وتسوق ونزهة ومناسبات، والأمور إلى هنا جميلة جداً بينهما، ما تغير في الحدث أن حفل زواج أمل كان بعد 4 شهور، وسارة قامت بتجهيز أمل بالكامل. إلا أنها في تلك الفترة، مرت بحالة تعب، واحساس بفقدان المتعة، وتشتت وغياب معاني الحياة، تجاهلت هذا الشعور سارة إلى أن كبر جداً، وفقدت السيطرة عليه.

النتيجة: سارة لم تحضر حفل الزواج.

وكما أعلم وتعلمون، أن ما فعلته سارة في القانون العائلي جريمة مباشرة، وواضحة، مع سبق الاصرار والترصد، لا عفو فيها، خاصة أن أمل صديقتها المقربة.

هكذا سردتها لي سارة، ومن هذا السرد أحلل لكم ما حدث لسارة، لنعرف هل هي مُتهمة أو بريئة؟ ما مرت به سارة شيء يدعى فقدان القدرة النفسية. نتيجة حالة الاكتئاب التي مرت بها. كيف ذلك؟ القدرة تعني الاستطاعة، أي أنني بامكاني أن أقوم بالشيء الذي سأقوم به، بشكل كامل. بتوضيح أكثر:

من المتعارف عليه أن القدرة المالية تعني أستطيع ولا أستطيع (فأنا أقدر مالياً) أي لدي القدرة أو المال الذي من خلاله، استطيع اقتناء شيء، أو الحصول على خدمة، أو التمتع في رحلة، أو عمل عشاء فاخر، أما أنا (لا أقدر مالياً) تعني أنني أعجز، لظروف مرتبطة بالمال، عن كل ما سبق وهي قدرة واضحة جداً في تعريفها المادي.

ولكن هناك قدرة أخرى لا تعريف واضحا لها، وهي القدرة النفسية وتعني: أنني أعجز عن النهوض من فراشي، لأني مكتئب على سبيل المثال وأخاف من مواجهة الناس، لأن لدي قلقاً اجتماعياً. وأتصرف بخوف شديد لا مبرر له، لأني مصاب بالهلع، أو أنني لا أطيق الحديث مع أحد، لعدم قدرتي على اخراج الكلمات، أو تصفيفها، أو حتى التعبير بشكل صحيح عنها.

إنها القدرة النفسية وهي قدرة لا يمكن قياسها بشكل واضح، فمجهر قياسها دقيق وحساس جداً، يحتاج أُناسا يهمهم أمرنا، ويدركون تقلبات انفعالاتنا، ويقبلوننا كما نحن بكل ما فينا، وبكامل أمزجتنا المتغيرة، هذه القدرة تحتاج أن يتفهمها الجميع، لنعيش بعلاقات صحية في ما بيننا، (فلا أريد) تعني: اترك مسافة لي أحتاج الجلوس لوحدي، والاعتذار عن عدم حضور حفل، تعني أنني مجهد وغير قادر على اللبس، والحركة، والمجاملة، والضعف بالتعبير، وعدم القدرة على الكلام، أو التواصل مع الآخرين، تعني الانهماك النفسي، وحاجة العقل والروح للراحة بعيداً عن الضغط.

وكل ما سبق هي مبررات وأعذار من المفترض أن تكون مقبولة، لا تقل بدرجة قبولها، عن أعراض الإصابات الجسدية، كإصابتك بانفلونزا حادة، أو نزلة معوية، أو ارتفاع في درجة الحرارة، أو أي عارض صحي آخر، يكون العذر فيه مقبولاً، ومسموحاً، وتسامح عليه، أما العارض النفسي فلا قبول له. ولا مسامحة، ولا تسامح فيه لأنه يصنف تحت معتقدات فكرية (لا يُريد - بالكويتي يدلع- شدعوة مبالغة - دراما كوين)، وكثير من الأفكار الظالمة، والتي تظلم حجم ثقل ما يشعره المرء، وضخامة شعوره النفسي الذي أدى به بالعجز.

كما ان القدرة النفسية قد لا تكون حدثاً كبيراً، وواضحاً يدل على العجز، قد يكون احياناً مزاجاً صغيراً، يعرقل علاقاتنا، ويجعلنا لا نبدو كما نحن في الواقع، مختلفون لأننا متعبون أو مرهقون نفسياً، فأحيانا يكون بعدم القدرة على الابتسامة، أو الشعور بالارهاق لسماع أي ما كان، وهي أعذار مهمة يجب أن تعيها بنفسك، وتساهم في وعي الآخرين بها، ليتقبلوا أن العجز النفسي، عذر مقبول والبعد النفسي نحتاجه بين الحين والآخر. والاعتذار عن مناسبة أو حفل عشاء قد يكون واجباً، نظراً لأن هناك شعوراً متعباً أهلك قدرتك على العطاء، والتواصل، والانسجام.

القدرة تحتاج تقديراً، ووعياً وتفكيراً، ونضجاً في تفسير الأمور (فلا اقدر) يعني أنني (لا أستطيع) أن أقوم بالدور المطلوب بالحدث، سواء كان انصاتاً، أو مجاملة، أو حتى نظرة وابتسامة ومصافحة.

لذلك عزيزي القارئ، هل سارة كان عذرها مقبولا؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي