قيم ومبادئ

الثقافة الإسلامية في صراع

تصغير
تكبير

يسعى الغرب بكل وسيلة إلى أن يُحقق للثقافة الغربية كل الغلبة على عقولنا وعلى مجتمعاتنا وعلى حياتنا اليومية، وبهذه السيطرة يتم انهيار الكيان العظيم الذي بناه آباؤنا في قرون متطاولة وصححوا به فساد البشرية في كل نواحيها الإنسانية والأخلاقية والعلمية وأرجعوها إلى الطريق المستقيم، ويعرف ذلك كل مَنْ له ذرة إنصاف وسَلِم من غائلة الحقد والحسد.

ولقد عاينتُ طفرة ظهور النفط وتحوّل المجتمع الكويتي المحافظ - وأنا في غضارة الصبا - إلى مجتمع يفور بالمتناقضات ويتشقق بالصراع المر في ميادين مختلفة من الدين إلى العلم إلى الأدب إلى السياسة إلى العادات والتقاليد الموروثة، فخضت محنة هذا التحوّل في أول نشأتي... فرأيت وسمعت ورضيت وسخطت وعلمت من أسرار هذا الصراع ما لم أكن أعلم.

فصار حقاً عليّ واجباً ألا أُحجم أو أُجامل مادمت عقدت العزم للدفاع عن قيم ومبادئ الكويت وأمتي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً... نعم هناك عدو جاثم على صدر هذه الأمة ولن آلو جهداً في الكشف عن حقيقة هذا العدو... مازال هذا الصراع يدور على أرضنا وفي عقولنا وفي ضمائرنا... إنه صراع بين حضارتين مختلفتين في جذورهما أشد الاختلاف.

حضارة طال عليها الزمان فأخذت غفوة ثم غطت في سُبات عميق، وحضارة أخرى واتاها الزمان فهبت هبوبها يقظة جريئة فوثبت على النائمة وسامتها سوء العذاب... فقامت الغافية تمسح عن عيونها النعاس بصحوة إسلامية بعد نوم طويل وبدأت تطرد الفتور من مفاصلها... أما اليقِظة فهبّت حذرة تراقب وتتحسس وتطوف وتتلهف للسطو على هذه الغافية من جديد... فبدأ الصراع من جديد جساً بأطراف الأسنّة والرماح ودساً بأسباب التجارة وغسل الأموال!

وجاء مع هذا الطوفان «المبشرون» فلم يكونوا من دعاة الديانة بل كانوا طوائف لكل منها صفة ووسم فرفعوا عقيرتهم بالشعارات بل والثورات ثم تحوّر الصراع إلى ايديولوجيا، تمشي بها في وسائل التواصل الاجتماعي مستهدفة أجيال الشباب تأخذهم في غفلاتهم وشهواتهم قبل أن يفيقوا لهذا الخطر الداهم... وأطبقت على رقعة العالم الإسلامي ضبابة كثيفة ووطئ عليها ذلك العدو يسحق أركانها ليتهاوى بنيانها وينسفها نسفاً حتى غدت قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً!

إن ميدان الثقافة والفكر من أصعب ميادين الصراع، والذي يزيد من خطورته أن الذين تولوا كِبر هذا الصراع والذين توارثوه من بعدهم إنما هم رجال منا ومن جلدتنا ويتكلمون بلساننا ويسيرون بيننا آمنين مطمئنين بميثاق الإنسانية في الأرض أو الدين أو العروبة.

وثالثة الأثافي أن الذين هم هدف للتدمير والتمزيق وهم الشعوب العربية المغلوبة على أمرها لا يكادون يتوهمون أن ميدان الثقافة والأدب والفكر هو أخطر ميادين هذه الحرب الخسيسة الدائرة رحاها على أرضنا من مشرق الأرض إلى مغربها، ولا أن معارك الثقافة متراحبة لا تحد بحدود ولا أن أكثرها يأتي موقتاً توقيتاً دقيقاً إما مع حركات النهضة وإعادة الإعمار أو مع شعار التنمية الشاملة والمستدامة، ولا أن الأمر صار أخطر مما كان منذ سبعين سنة ولا أن هذه المعارك ليست في حقيقتها فكرية بل هي معارك سياسية تتخذ من الثقافة سلاحاً ناسفاً لقوى متجمعة، أو في طريقها كي تجتمع ولا أن أمضى سلاح في يد عدونا هو (سلاح الكلمة) (وإبداء الرأي) الذي يحمله رجال منا منبثّون في كل نواحي الحياة ويعملون في كل الجبهات وينفثون سمومهم بكل طريق في شباب الأمة فخدع بهم مَنْ خدع... فانظر مثلاً إلى التعليم عندنا في الكويت كيف بدأ بصورة متواضعة ثم تطور بقوة ثم تلاه تحور نحو الاستقلال والعزلة؟ حتى أصبح الإعلام والتعليم (دولة داخل دولة) يوجه أجيال الشباب الوجهة التي يراها ويصبغهم بالصبغة التي يرغبها دون إشراف فعلي من الدولة عليه... بل بلغ الأمر إلى حد أن اشتملت بعض الكتب المقررة بالجامعة على معلومات خاطئة مضللة في ما يتعلق بالهوية!

ومما زاد الطين بلة ضعف عام بمستوى المعلمين والمعلمات والدكاترة وأصحاب الشهادات العليا... وها هي مخرجات التعليم تلقي في خضم سوق العمل سنوياً آلاف الخريجين - من المدارس الخاصة - ممَن ينظرون إلى غيرهم من طبقات المتعلمين في المدارس الحكومية الوطنية نظرة متعالية وينظرون إلى اللغة العربية النظرة نفسها!

... وللحديث بقية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي