No Script

من الخميس إلى الخميس

التعريب غايةُ المُنصفين

تصغير
تكبير

من المُفارقات المُبكية المُضحكة أن الطالب العربي الذي يدرس الطب أو بقية العلوم في الجامعات الحكومية الإيطالية يدرسها باللغة الإيطالية، والذي يدرس في كوريا أيضاً يدرسها بلغتهم، والفلسطيني العربي الذي يدرس في الدولة المُغتَصِبة إسرائيل يدرس الطب باللغة العبرية؛ أما العربي الذي يريد الدراسة في بلاده العربية فهو يدرس الطب والعلوم باللغة الإنكليزية أو الفرنسية! إنها فعلا مُفارقة مُبكية.

وبعيداً عن لغة العواطف التي تُحرّك مشاعر من لديهم غيرة عربية، بعيداً عن ذلك، فقد أثبت العلم ولغة الأرقام أن تدريس العلوم باللغة الأم تُمكّن الإنسان من فهم مادته بصورة أكثر إبداعاً ما يجعل الباحث أو الطبيب قادراً على الإبداع في مجاله، لغة العلم والأرقام هذه عليها أدلة كثيرة سواء من الدراسات الإحصائية أو الدراسات المرتبطة بعلم وظائف الدماغ، أو الدراسات التربوية والتعليمية ولهذا لا يستغرب المتابعون ذلك الحرص من قيادات الدول على تعليم أبناء دولتهم بلغتهم، والسبب أن هؤلاء القادة يعلمون أن لا مجال لمشاركة شعوبهم العالم بالتقدم والتقنية دون جعل لغتهم هي الأداة الأولى لتوصيل العلم لأبنائهم.

عندما أُنشئت الدولة المُغتصِبة لفلسطين، إسرائيل، سأل المسؤول عن التعليم رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون، سأله عن اللغة التي يتم فيها تعليم اليهود، فنظر بن غوريون إليه بنظرة غضب فَهِمها المسؤول فأصبح تعليم الطب والعلوم في اسرائيل باللغة العبرية، لقد أخرج الاسرائيليون لغتهم من القبور وهي اللغة الضعيفة؛ ودرسّوا بها أبناءهم فأصبح أطباء اسرائيل ينشرون من الأبحاث ما يساوي أضعاف ما ينشره أطباء العرب رغم ضخامة أعداد أبناء العرب.

إنّ تدريس لغة رديفة وإجادتها أمرٌ حتمي في تدريس العلوم والطب، وهذا ما ندعو إليه ولكن لا بد أن تكون المادة التي يدرسها طالب العلوم والطب لابد أن تكون بلغته حتى يستوعب المادة ويتشربها كاملةً ليُبدع لاحقاً بها.

لقد أُنشئت لجنة المعجم الطبي الموحد عام 1966 وانتهى العلماء من توحيد لغة الطب ونُشر المعجم أول مرة عام 1973، كما أنشئ عام 1980 المركز العربي لتأليف وترجمة العلوم الصحية منبثقاً عن مجلس وزراء الصحة العرب ومقره في دولة الكويت، هذا المركز الذي ترأسه أولاً المرحوم الدكتور عبدالرحمن العوضي، ويقود اليوم مسيرته الدكتور مرزوق يوسف الغنيم، يحتوي على سجل كامل بورشات العمل والمحاضرات واللقاءات التي قَدّمت الأدلة الكافية لكل مُنصف حول ضرورة التعليم الطبي والعلوم باللغة الأم.

التعريب هو أمرٌ حتمي إذا رغب قادتنا أن نُساهم مساهمة فاعلة بالحضارة البشرية ويكفي أن نعلم أن كل دول العالم ذات الوحدة اللغوية تُدرّس بلغتها، وتنشر أبحاثها بلغتها وهناك جهات مختصة تترجم وتنقل للأطباء المعلومة بلغتهم، لقد التحقت للتدريب في طوكيو شهوراً عديدة وكان معي طبيب ياباني وحيد يعرف الإنكليزية وبضعف؛ أما بقية العلماء والأطباء والفنيين فكانت لغتهم اللغة اليابانية ولم يدّع أحد تخلف اليابان في الطب، بل إنني شاهدت وفوداً غربية تأتي إليهم مع مترجم ليتعلموا التقنية والعلم منهم، لن نُصبح مثل هؤلاء إلا إذا كنا نحترم لغتنا وثقافتنا فالعلم كالهواء حقٌ للجميع.

أتمنى لمن يُشكّك أو هو خصم للتعريب أن يزور المركز الذي يترأسه الدكتور مرزوق الغنيم، ليسمع الحقيقة، تلك الحقيقة التي هي غايةُ المنصفين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي