من الخميس إلى الخميس

الزمن الحقيقي

تصغير
تكبير

فاتَ ثُلث عام 2023، ولن يكون عامنا هذا بأحسن حال من الأعوام السابقة، سيمر سريعاً وتأتي سنة 2024 على كثير من الناس وهم يشتكون من تبخر عام 2023.

الذين يشتكون من سرعة حركة السنين هم المحرومون من تحقيق الإنجازات، فالزمن لا يُقاس بحركة الساعة بل يُقاس بما يتركه الإنسان من أثر.

تقوم من النوم وتخرج للعمل وتعود للبيت دون أن تشعر بأنك أنجزت جديداً أو أحدثت تغييراً، دائرة تتكرّر وينتهي بك المطاف بالتساؤل عن سرّ سرعة الزمن!

هذا النوع من الزمن هو كالطيْف لا تكاد تشعر به، زمنٌ يخلو من الكوابح، زمنٌ تنقصه المؤثرات، كيف إذاً لزمنٍ يتحرّك دون توقف، ويمضي دون مشاعر حقيقية، كيف لمثل هذا الزمن أن نشعر به أو حتى أن نحيا فيه.

يشير الباحث جيمس إم برودواي، وهو باحث ما بعد الدكتوراه في العلوم النفسية علوم الدماغ بجامعة كاليفورنيا، يشير إلى أن البشر يقدّرون زمن الحدث من منظورين مختلفين، أولاً المنظور الاستشرافي، وهو الذي يقيس إدراكنا للوقت إبان وقوع الحدث؛ وثانياً منظور استرجاعي، يقيس إدراكنا للوقت بعد انتهاء الحدث. لهذا يمرُّ الزمنُ سريعاً عندما نقضي أوقاتاً ممتعة مفيدة؛ إذ تعمل الأحداث المتلاحقة في حينها إلى تكثيف شعورنا بسرعة الوقت؛ في حين أننا حين نتذكر وقتاً ممتعاً مفيداً في الماضي، نشعر وكأنه استغرق وقتاً أطول، لأننا نستعيده من منظور استرجاعي.

إننا نقيس زمن الأحداث الماضية من خلال عدد الذكريات الجديدة التي تكونت في حينه أثناء وقوع الحدث، وكلما يكون هناك عدد أكبر من الذكريات الجديدة في إحدى الرحلات على سبيل المثال؛ فإننا نشعر بها أطول كلما تذكرناها لاحقاً؛ تلك الظاهرة التي أطلق عليها في ما بعد اسم «مفارقة الإجازة» والتي تتناول اختلاف إدراكنا للزمن في وقت العطلات، وهذا يدّل على أن الوقت المفيد الذي فيه اكتشافات هو وقت يعيش معنا أطول بعكس الوقت الذي لا جديد فيه ولا فائدة.

إذاً، لدينا جميعاً زمن حقيقي وهناك أيضاً زمن الطيْف، معظمنا اليوم يعيش زمن الطيف، زمنُ الطيف هو ذاك الزمن الذي يمرُّ علينا كشخص لا نكاد نعرفه، نحاول أن نتذكّر أين رأيناه، وفي النهاية لا نتوقف عنده كثيراً، أما زمننا الحقيقي فهو الزمن الذي يعرفنا ويعيش معنا ونعيش فيه، زمن سَعينا فيه لعلم أو دَعونا فيه لفضيلة، زمن ساعدنا فيه محتاجاً حقيقياً أو شاركنا بمشروع عاد بالفائدة على آخرين.

إنّ اليوم الذي يمرُّ ونكون منشغلين بالعلم أو العمل أو باكتشاف ما حولنا من شعوب وحضارات، هذا اليوم يُصبح يوماً كاملاً بالعطاء، أما السنة فإن جميع أيامها تكتمل بالإخلاص.

اليوم، معظم الناس للأسف منشغلون بالبحث عن بناء مجد دون عمل جاد أو علم نافع، منشغلون بالتوافه لبناء مجد شخصي، أو ملتهون بخصومات وصراعات لن يستفيد منها أحد، ولأنهم كذلك فالسنة لديهم تمرُّ سريعة كالخيال لا بركة فيها. معظم الناس لا يعيشون كامل أعمارهم، يبذلون الكثير من الجهد للحفاظ على صحتهم ومحاولة إطالة عمرهم، ولكنهم على النقيض يتركون سنينهم تمرُّ سريعة من أمامهم.

هنيئاً لمن ازدهرت سنته بالأفعال الإيجابية، أفعال مؤثرة لصالح الإنسان، هنيئاً له أفعاله الطيّبة، والأهم هنيئاً له حياته التي عاشها كاملة دون أن تمرُّ سنوات عمره كطيفٍ لم يشعر بها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي