أبعاد السطور

صراع الجنرالات على عرش السودان

تصغير
تكبير

مدخل... قبل أن أبدأ بكتابة هذا المقال تذكرت فيلماً مصرياً تم إنتاجه عام 1989، كان بعنوان «يا عزيزي كُلنا لصوص».

ما يحدث الآن في جمهورية السودان من اقتتال دموي عسكري هو بسبب الإرث الفاسد الذي خلّفه نظام الحُكم البائد الذي كان يُديره المخلوع عُمر البشير منذ عام 1989 إلى عام 2019 في حُكمه للسودان.

عُمر البشير، مِثله مثل أيّ طاغية في أيّ دولة من دول العالم، حيث إن تفكير الطغاة متطابق جداً، والبقاء على رأس هرم السُلطة هو الأولوية القصوى والهدف الأول عندهم، لذا أوجد عُمر البشير قوات الدعم السريع في أغسطس 2013، بعد أن شعر بأن قبضته الأمنية بدأت تضعف وأن شوكة سلطته بدأت تهتز، وذلك لتكون قوات الدعم السريع درعاً واقية له من أي محاولات للانقلاب عليه يكون أطرافها هُم قادة الجيش الوطني السوداني، وأيضاً استخدم البشير قوات الدعم السريع كسيف مُصلت على رقاب المتمردين والثائرين المسلحين ضد حُكمه في أي بقعة من أرض السودان.

ولكيّ يُحكم عُمر البشير قبضته أكثر على السودانيين اتجه في عام 2017 نحو موسكو، وهناك التقى بالطاغية الآخر بوتين، زعيم روسيا، ولم يرجع عُمر البشير من رحلته تلك إلا بعدما أبرم صفقة قذرة مع ميليشيات فاغنر العسكرية التي تضم المرتزقة من القتلة والمساجين وغيرهم، لكيّ يأتوا للسودان وليس لهم مهمة سوى حماية عرش البشير من أي خطر داخلي قد يطوله!

ولقد عاثت ميليشيات فاغنر الروسية في خيرات أرض السودان فساداً عريضاً بسبب الضوء الأخضر الذي منحه البشير لها، حيث إن فاتورة فاغنر لم يدفعها البشير من جيبه بل دفعها السودان كميات ضخمة من الذهب الخالص النفيس من أرضه الكريمة لسنوات عديدة!

وبالمناسبة، هناك شيء محوري وأساسي في العمود الفقري لهذا المقال لابد أن يعرفه القارئ، وهو أن السودان يكاد يكون هو البلد الأول في العالم في عدد الانقلابات العسكرية التي حدثت فيه بالنسبة لتاريخ تأسيسه الذي كان في1 يناير 1956، حيث إن قائمة الانقلابات السودانية على الحُكم طوال الستة العقود الماضية طويلة ولا تسعها مساحة هذا المقال، وهذا يعكس القدر الفوضوي العسكري الكبير الذي عاناه السودان لسنوات طويلة من النزاع الداخلي والصراع على السلطة الذي أودى بالشعب السوداني للفقر والتقسِيم والتشتت والتأخر في الكثير من حقول الحياة!

أما عن الصراع الدموي الحاصل الآن بين الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي»، قائد قوات الدعم السريع، وبين الفريق عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ورئيس المجلس السيادي الانتقالي الذي يحكم السودان، فهو صراع كان متوقعاً ووقوعه لم يكن بعيداً عن التفكير، وهذا لأن حميدتي والبرهان هما وجهان لعملة واحدة لا فرق بين طموحهما في اعتلاء عرش حُكم السودان والاستيلاء على السلطة والنفوذ بشكل مطلق.

ومن المضحك الذي يُذكر في سيرة البرهان وحميدتي، أن الاثنين اتفقا بينهما على الإطاحة بنظام عُمر البشير، رغم أن البشير هو الذي صنعهما وجعلهما قِطين سمينين عسكرياً!

وبعد ذلك الانقلاب على البشير خرج حميدتي وقال عن علاقته بالبرهان إنه «عاش معه خدعة» الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير، وإنه توجد لدى البرهان أجندة لإعادة نظام البشير للسلطة!

ومن المضحك أيضاً في سيرة البرهان وحميدتي أنهما في 5 ديسمبرعام 2022 قاما بالتوقيع على اتفاق إطار مبدئي مع المدنيين لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، رغم أنهما لا يؤمنان بالحُكم المدني مطلقاً، ورغم أن لكل واحد منهما قواته العسكرية التي يفكر عبر اسلحتها أن يصل إلى حُكم السودان!

ولا بأس أن نضحك أيضاً على سيرة البرهان وحميدتي ونعريهما أكثر، حيث انقلب حميدتي والبرهان على عبدالله حمدوك، رئيس وزراء الحكومة الانتقالية في السودان ما بين عامي 2019 و2022، لأنه نادى بتنظيم القوات العسكرية السودانية وتسوية وضعها وجعلها تحت سقف واحد ضمن المؤسسة العسكرية السودانية، حيث خاف البرهان وحميدتي من تهميشهما شخصياً!

في نهاية المقال... أتمنى على الله أن يلطف بحال السودان وشعب السودان الكريم، السودان كالأسد الضخم الضرغام الذي تكالبت على جسده الحشرات القذرة والفيروسات المُمرضة إلى أن أصابت جسده بالوهن والإعياء والتعب الكبير.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي