رؤية ورأي

إحياء مشروعي الشيخ ناصر الصباح

تصغير
تكبير

بعد أن فشلنا في التعلّم من أخطائنا، أدعو إلى التعلم من نجاحات الآخرين النظراء، كنجاح السعودية قبل أسبوعين في إطلاق أربع مناطق اقتصادية جديدة في إطار برنامج إستراتيجي طموح لتطوير وتنويع الاقتصاد وتحسين البيئة الاستثمارية، وتعزيز أفضلية السعودية كمركز حيوي لدعم سلاسل الإمداد العالمية وكوجهة عالمية للاستثمار.

إطلاق هذه المناطق الاقتصادية السعودية مرتبط بما في ذاكرتي من محطّات للمسيرة الاقتصادية للراحل الشيخ ناصر صباح الأحمد.

وأولى هذه المحطّات هي إطلاقه الحملة الإعلامية الواسعة في 2017 لتسويق مشروع تطوير خمس جزر كويتية، الذي واجه معارضة صلبة كامنة في المجلس، انتهت بوأد المبادرة الأولى لإنشاء منطقة اقتصادية خاصة في الكويت.

وأما المحطّة الثانية، فهي عند تصريحه المشهور لقناة «بلومبيرغ» التلفزيونية الإخبارية الأميركية، الذي أعرب فيه عن إعجابه بالإصلاحات التي حققها الأمير محمد بن سلمان، وألحقه بالإشارة إلى المعوّقات النيابية التي تُصعّب تكرار الإصلاحات ذاتها في الكويت.

ثم نصل إلى المحطة الثالثة التي تقلّد فيها الراحل منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ورئيس المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، حين أحالت الحكومة في عام 2019 مشروع قانون في شأن إنشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية إلى مجلس الأمة، الذي انتهى إلى المقبرة ذاتها التي وأد فيها مشروع تطوير الجزر.

وأخيراً نقف عند المحطة الرابعة، لنقرأ المقال الذي كتبه الراحل في 2020 بعنوان «إحياء الميناء»، الذي سجّل فيه استياءه من التأخير في تنفيذ مراحل تحقيق «رؤية 2035»، رغم مرور 10 سنوات من اتفاق مؤسسات الدولة على تحقيقها، وختمه بدعوة الحكومة إلى حُسن الإدارة ومحاربة الفساد، ودعوة الكويت والكويتيين إلى العودة إلى الانفتاح على الشعوب والمجتمعات والثقافات المختلفة.

ولكن للأسف، سوف يستمر الخمول في الإصلاح والتنمية، الذي اشتكى منه الراحل، طالما لم نتعلّم من إخفاقاتنا ولا من نجاحات الآخرين. فما زلنا نسمح لنوّاب وسياسيين مخادعين بتصدّر صفوف الإصلاح والتنمية، كالنوّاب الذين يشيدون بمشاريع المناطق الاقتصادية الخاصة بالسعودية، وأشادوا قبلها بمشروعي الراحل التنمويين بالكويت، ولكنهم في الواقع الميداني يمنعون إقرارها لتعارضها مع قيمهم الفكرية أو مبادئهم الإدارية أو مصالحهم الإنتخابية.

لدينا الكثير من النوّاب المصنّفين إصلاحيين – من مختلف المشارب الفكرية – الذين يرفضون الانفتاح الفكري الكويتي الذي دعا إليه الراحل خلال مسيرته الاقتصادية السياسية، ويستنكرون التحوّل الفكري السعودي المعاش والمنظور، المواكب لنهضتها الاقتصادية المتضمّنة إنشاء المدن والمناطق الجاذبة للاستثمارات العالمية. هؤلاء الرافضون مازالوا ينكرون الارتباط الحيوي بين الانفتاح الفكري – لا الانحلال الأخلاقي – وبين جاذبية الدولة للاستثمارات الأجنبية.

نحن في الكويت نعاني من تضخم في عدد النوّاب المصنّفين إصلاحيين الذين يضحّون بفرص التنمية الوطنية خوفاً على أرصدتهم الانتخابية. يشيدون بإطلاق المناطق الاقتصادية الخاصة في السعودية، ويطالبون بإحياء نظيريها المحليّين، مشروعي تطوير الجزر الكويتية وإنشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية، ولكن إذا عرضت عليهم مشاريع قوانين المشروعين، التي تتضمن طفرات في منظومتي الإدارة والرقابة المالية السائدتين، فلن يتردّدوا في التخلّي كلما تسرّبت تفاصيل مستحقّة غير شعبوية عن المشروعين.

لذلك، أجدد دعوتي إلى التعلّم من نجاحات الأشقاء، لنتمكّن من محاكاتها في الكويت، ليس بتجميد الدستور كما يطالب البعض، بل بتعزيز الديموقراطية عبر تنمية وعي الشعب ليُحَسّن مراقبة وتقييم نوّابه، فنعيد أولاً إحياء مشروعي الراحل، أو نسخة منقّحة منهما...

اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي