من الخميس إلى الخميس

رحِمهنّ الله

تصغير
تكبير

جداتنا كُنّ يودّعن رمضان بالدموع، لم تكن دموع حزن، بل دموع اشتياق لحبيب راحل.

حين كنت فتىً يافعاً كانت تعتريني مشاعر مُربكة، فالتهاني تتوالى من المحطة التلفزيونية الوحيدة لدينا في الكويت، تهانٍ بمناسبة رؤية هلال شوال، وبرقيات تُتلى على أسماعنا تحمل أسمى آيات التبريكات، كل هذا يحدث في جانب وجدتي تحيا في جانب آخر، تبكي بدموع غزيرة ومعها أمي بدرجة أقل، ما هذا التناقض؟ كيف يتبادل ناس التهاني ويبكي آخرون لرؤية الهلال نفسه، هلال شهر شوال.

لم أجد آنذاك جواباً لسؤالي، لماذا تبكي جدتي ومعها أمي بدرجة أقل كل عام حين يعلنون قدوم العيد؟ هل فعلاً كانت تخشى ألا تعيش سنة لرؤية هذا الشهر الكريم مرة أخرى؟ لكنها عاشت سنوات طويلة، وكبرت أنا واستمرت جدتي، رحمها الله، تبكي لوداع رمضان.

منذ سنوات قليلة وبعد أن أصبحت جَدّاً أصبح يغمرني شعور غريب يزداد كل عام حين يعلنون عن رؤية هلال شوال، بالأمس تملّكني ذاك الشعور بالاشتياق كما حدث معي في آخر أيام رمضان الماضي، ففي السنة الماضية وحين أعلنوا رؤية هلال شوال ترقرقت عيناي بالدمع، وأحسب هذا العام ستفيض مقلتاي بدموع الاشتياق لوداع شهر رمضان، لقد تملكتني روح جدتي فعرفت سر بكائها، إنها دموع الشوق والحب، نعم دموع الشوق لشهر يحمل كنوزاً سنُحرم منها بسبب رؤية هلال شوال.

انتهى رمضان فنقصت مفاتيح كنوز الرحمة، كنوز كانت مفتوحة على مصراعيها في رمضان، انتهى رمضان الذي عزّز صلة الأرواح مع خالقها، انتهى رمضان فطالت ساعات نوم الليل وتناقص الدعاء وتثاقلت الأيادي في حمل كتاب الله، انتهى رمضان، أنهاه ظهور هلال شوال.

أي عزيز نحبُّه ونودّعه، وأي سوق عامر تم إغلاقه، وأيّ انشغال كنا به وسوف ننصرف عنه؟! ألا يحق أن تتساقط من أعيننا دموع الشوق والحنين على فقد كل تلك السلع العظيمة؟! ألا يحّق لنا أن تتساقط من أعيننا الدموع على خيرٍ.

كثير لم نتمكن من حمله كله فضاع منا جُّله؟! إنها خسارة كبيرة، تتكرّر معنا كل عام، ومهما نوينا أن نحمل من سوق رمضان جُّل فضله، يغلبنا رمضان، فلا نخرج منه إلّا باليسير.

فيا شهر العبادة، يا من نستقبلك بالتفاؤل ونودّعك بالدموع، يا شهر الخير لن نقف عن ذرف دموع الشوق والحنين في وداعك حتى تودّعنا أنت كما ودّعت جداتنا من قبل، رحم الله أمهاتنا وجداتنا كُنّ أكثر معرفة برمضان منا.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي