رؤية ورأي

السلطة القضائية في الخطاب السامي

تصغير
تكبير

الخطاب السامي الذي ألقاه سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، نيابة عن سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح، بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان؛ تميّز هذا الخطاب السامي عن الخطاب السياسي السائد في البلاد بالموضوعية والتكامل. حيث تضمن رؤية واضحة لتقويم وتطوير السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، بناءً على تقييم متزن مجرّد من مظاهر التحيّز لصالح سلطة على حساب سلطة أخرى.

فالحكومة المستقيلة معنيّة بترقّب وتوقّع القيادة السياسية «من الحكومة الجديدة أن تكون على قدر المسؤولية في تحمل الأمانة»، والنوّاب الغوغائيون مشمولون في الدعوة السامية إلى الابتعاد عن «التشكيك في الذمم وعن التجريح والتخوين والصوت المرتفع البغيض»، والسلطات الثلاث معنية بالفقرة من الخطاب السامي التي ذكر فيها أنه سيواكب الانتخابات الجديدة «إصدار جملة من الإصلاحات السياسية والقانونية المستحقة لنقل الدولة إلى مرحلة جديدة من الانضباط والمرجعية القانونية منعاً للخلاف ودرءاً لكل أنواع التعسف في استعمال السلطة من قِبل السلطتين التشريعية والتنفيذية وضماناً لحياد ونزاهة السلطة القضائية بتعزيز نظام الحوكمة في تكوينها واختصاصاتها».

بل إن السلطات الثلاث مجتمعة معنية حتى بالمقطع الأخير من الفقرة أعلاه المتعلّق بضمان حياد ونزاهة السلطة القضائية. ومن الشواهد على ذلك، موقفها تجاه قانون مخاصمة القضاة الذي أقر بالإجماع في مداولتين بجلستين منفصلتين في الأشهر الأخيرة من عمر مجلس 2016، ثم ردّ من قِبل الحكومة بدعوى وجود شبهة دستورية. هذا القانون – الذي أقر في مداولتين بالإجماع – لم يُعاد إقراره لا في مجلس 2020 ولا في المجلس المبطل الثالث، كما أنه لم يعاد تقديمه إلى مجلس الأمّة بصياغة منقّحة، لا من قِبل الحكومة ولا من قِبل السلطة القضائية عبر وزيرها، وزير العدل.

والأقبح من ذلك، أنه بعد إبطال مجلس 2022 بحكم المحكمة الدستورية، هاج وانتهض عدد من نوّاب المجلس المبطل الثالث لاجتثاث القضاة المرتشين – وفق تعبيرهم – من القضاء، واستعرض أحد نوّاب المجلسين 2020 والمبطل الثالث ملفات ما يعرف باسم «قضية صالحي» التي انتهت بإدانة عدد من القضاة. وادعى هذا النائب في ندوة متلفزة أن ملفات بعض القضاة المشتبه بتورّطهم وارتباطهم بالقضية قد حُفظت، وأنه وجّه أسئلة برلمانية في شأنها، ولكن الحكومة حتى تاريخ الندوة لم ترد على الأسئلة بالرغم من مرور أشهر على تاريخ تقديمها.

لذلك يرى مراقبون أن الخطاب السامي كشف التقصير المركّب لدى الكثير من نوّاب المجلس المبطل الثالث تجاه الشعب والوطن. فهذا النائب مثلاً، إن صحت ادعاءاته، فمسؤوليته مضاعفة عن عدم تشريع قانون مخاصمة القضاة، نظراً لاطلاعه على ما يستوجب الاستعجال في تشريعه.

من منظور آخر، يرى مراقبون أن الإشارة إلى أن الإصلاحات السياسية والقانونية المنشودة سوف تنقل الدولة إلى مرحلة جديدة من «الانضباط والمرجعية القانونية» أدرجت وتضمّنت في الخطاب السامي بغرض مواجهة مساعي الانقضاض على السلطة القضائية، التي تجدّدت بعد حكم إبطال مجلس 2022، ولكن هذه المرة تحت ستار جواز انتقاد الأحكام القضائية. وهو ستار حق يراد به باطل.

فالتعليق على الأحكام مجاز للنخبة التي تؤمن باستقلال القضاء، المطلعة على القوانين، المدركة ضوابط ومعايير ومحاذير التعليق على الأحكام. النخبة التي لا تعلّق على حكم قضائي إلا بعد قراءته كاملاً بروية وموضوعية، وبعد التمعّن في منطوقه وحيثياته وتعليلاته ومبانيه.

الخلاصة هي أن الخطاب السامي جاء متزناً وموضوعياً في انتقاد وتقويم السلطات الثلاث، وليس كما يعتقد الكثيرون بأنه كان موجّهاً ضد سلطة بعينها من دون السلطتين الأخريين، مستندين على ادعاءات نشطاء في الدواوين وفي وسائل التواصل الاجتماعي... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي