اتجاهات

نظرة موضوعية لدور جامعة الدول العربية

تصغير
تكبير

منذ نشأتها، وجامعة الدول في مرمى نيران النقد اللاذع والعنيف. وأوجه سهام النقد الموجهة للجامعة متعددة، فالبعض يوجه سهامه للمنظومة البنيوية والتأسيسية للجامعة لاسيما آلية الإجماع داخل الجامعة التي شلت فعالية المنظمة على مدار تاريخها في حسم بعض القضايا الحساسة. والبعض الآخر من منطلق فشل الجامعة في التصدي لأزمات المنطقة أو حلها بسبب تغلب إرادة أعضائها على إرادة الجامعة.

وبين هذا وذاك، يتوارى النقد الموضوعي البنّاء للجامعة منذ نشأتها. ونحن لا ننكر أن الجامعة يعتريها أوجه قصور متعددة وضعف بنيوي وعدم فعالية في حسم أو حل أزمات المنطقة شديدة الخطورة، وتحتاج بطبيعة الحال إلى إصلاحات هيكلية ومالية ودعم عربي واسع. لكننا لا بالقطع لا نتماهى مع موجة النقد العنيف للجامعة الذي يصل إلى حد المطالبة بحلها. ربما لا يعلم الكثيرون أن جامعة الدول العربية اقدم منظمة إقليمية في العالم، حيث تسبق في نشأتها الأمم المتحدة ببضعة شهور. وتنشأ المنظمات الدولية خصوصاً الإقليمية، ككيان «إرادي» له شخصية قانونية مستقلة بين مجموعة دول، من أجل توطيد أواصر التعاون في المجالات التي نشأت لأجلها أو التي يحددها ميثاقها التأسيسي.

ويعني ذلك، أن المنظمات الدولية وإن كانت لها شخصية قانونية مستقلة، والدول تنضم إليها بشكل إرادي أو طوعي وتتنازل عن بعض من سيادتها وصلاحياتها العليا لصالح المنظمة؛ لكن رغم ذلك يظل دورها مجرد منسق وداعم لقرارات الدول داخل المنظمة، وكذلك تظل سيادة الدول أعلى من سيادة المنظمة.

وبالتالي، فانضمام الدول العربية الـ22 للجامعة منذ نشأتها وتاريخها، وبقاؤها فيها حتى الآن، طوعاً لا إجباراً يعني أموراً كثيرة جداً، أهمها، استمرار إيمان الدول العربية بأهمية الجامعة كبيت حاضن للعرب ومعبر عنهم وعن قضاياهم في الساحة الدولية. استمرار قناعة الدول العربية بأهمية التعاون داخل الجامعة حتى ولو في القضايا غير السياسية الكبرى أو ما يطلق عليها «قضايا السياسة المنخفضة» كتعزيز التعاون في المجالات الثقافية والتكنولوجية والتنموية.

ونخلص من ذلك إلى أمرين رئيسيين، أولهما، أن فعالية جامعة الدول، والمنظمات الدولية عموماً، لاسيما في القضايا الحساسة، لا تتأتى إلا من خلال قوة الاتفاق والتنسيق والتضامن بين أعضائها. ولن نذهب بعيداً في ذلك، فالاتحاد الأوروبي بكل قوة أعضائه وتاريخه العريق، والذي من الظلم ان توضع الجامعة في مقارنة معه، قد فشل فشلاً ذريعاً في توحيد سياساته العليا لا سيما السياسة الأمنية والعسكرية. ووصل هذا الفشل لذروته خلال أزمتي كورونا والحرب الروسية ـ الأوكرانية، حيث انقسم أعضاء الاتحاد ونشبت بينهم خلافات عميقة حول التعاطي مع الأزمتين، وقد بدت قوة التضامن والتعاون في الاتحاد وكأنها في حالة موت إكلينيكي، لأنه ببساطة ليس كياناً سلطوياً فوق سيادة أعضائه.

والثاني، أن التركيز الشديد على ضعف موقف الجامعة في التصدي لأزمات المنطقة أو منعها أو التعاطي معها بفعالية، والتي في حقيقة الأمر أزمات شديدة التعقيد والتشابك تفوق وطأتها إرادة الدول العربية مجتمعة، حيث تتداخل فيها مصالح دول كبرى كالاحتلال الأميركي للعراق.

يطمس الإنجازات الكبيرة للجامعة والجهد الجبار الذي يبذله أمينها العام السيد احمد أبوالغيط، والأمين العام المساعد للجامعة السيد حسام زكي، في مجالات متنوعة بما في ذلك الأزمات الحساسة. فعلى سبيل المثال، قد كان للجامعة دور رئيسي في التنسيق للتصدي لجائحة كورونا، والتنسيق والمبادرة في أزمة سد النهضة، والإشراف على الانتخابات العراقية، وموقف ثابت تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، وتنسيق الجهود لتقديم المساعدات الإنسانية للصومال وغيرها.

كما نذكر هنا الدور الكبير للسيد فلاح المطيري، نائب مندوب الكويت لدى جامعة الدول العربية، الذي قام بجهود كبيرة في مسألة توطيد العمل التنموي ودعم مبادرات حقوق الإنسان والحد من الكوارث في الجامعة بتوجيهات ورعاية أمير البلاد المفدى الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.

في الختام، إن النقد الحاد الذي يوجه للجامعة ينبع من الأساس من المبالغة الكبيرة في حجم الدور المتصور الذي يجب أن تضطلع به، وتحميلها فوق طاقتها وكأنها هي نفسها سبب الأزمات. وهذا بدوره يطمس إنجازات الجامعة في مجالات متعددة ومواقفها التاريخية التي في ضوئها يظل استمرار الجامعة قائماً وأمراً ضرورياً وصحياً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي