أما بعد...

السياسة الشعبوية

تصغير
تكبير

هناك اختلافات كثيرة ومتعددة بخصوص المعنى الدقيق لمصطلح كلمة «شعبوي»، لكننا بالعموم يمكننا القول إن اشتقاق المصطلح من كلمة الشعب يدل على معناه الاساسي: تمثيل الشعب أو الناس البُسطاء العاديين، في صراع مفترض أن يكون ضد النخبة، سواء تلك الممثلة بالسلطة أو بالأشخاص والجماعات المتنفذة بشكل رسمي أو غير رسمي في المجتمع.

على هذا النحو تعتبر الشعبوية نقيضة النخبوية وخصمها اللدود من خلال الادعاء بأن تحكَم النخبة بالموارد والقرار والنفوذ أدى إلى تهميش الناس العاديين وإيقاع الظلم الكثير بهم، وأنه لا حل لهذا الظلم من دون تقويض النخبة وإزاحتها عن مصادر قوتها الظالمة والمتوغلة.

لذلك، تتغذى مختلف أنواع الشعبويات على أحاسيس التهميش والحرمان والغضب لدى كامل المجتمع أو شرائح معينة منه، سواء كان هذا التهميش حقيقياً أو متخيلاً. يمتاز الخطاب الشعبوي ببساطته السياسية ووضوحه الاخلاقي، في الغالب على نحو مضلل، من خلال افتراض صراع بين معسكرين: غالبية مظلومة هي الشعب وأقلية ظالمة هي النخبة.

بسبب محتواه التبسيطي وثنائية الخير والشر فضلاً عن طابعه التحريضي فيه، يجد الخطاب الشعبوي الكثير من الآذان الصاغية بين الجماعات السكانية التي يتحالف فيها العَوَز مع ضعف الوعي، لأنه يقدم حلولاً سهلة، وان تكن مزيفة، لمشاكل معقدة، وعبر هذه الحلول يَعدُ هذا الخطاب جمهوره بإنصاف قريب طال انتظاره.

في العادة، يحتاج الخطاب الشعبوي لنجاحه وانتشاره وجود زعماء ذوي جاذبية شعبية بإمكانهم تلخيص محتوى هذا الخطاب الأخلاقي ببراعة وتحشيد الجمهور المهمش لصالحه، عبر وعود الخلاص من ظلم النخبة.

وبسبب طابعها التبسيطي والأخلاقي المضلل، اخشى ما تخشاه الشعبوية عادة بالمؤسسات وتعتبرها اداةً بيد النخبة لفرض الهيمنة على الجمهور ونهب موارده.

من هنا تشح التفاصيل والأرقام في الحلول الشعبوية التي عادة ما تكون عمومية وخطابية وغير قابلة للتطبيق.

وبخلاف القومية أو الليبرالية أو الشيوعية أو الإسلامية، الشعبوية ليست نظرية في السياسة لأنها لا تقدم إطاراً نظرياً او رؤية سياسية أو أيديولوجية للعالم، بما تعنيه هذه الرؤية من مبادئ وأدوات وأهداف مترابطة في ما بينها، بغض النظر عن مقدار التماسك بينها.

هي بالأحرى خطاب سياسي أخلاقي تحشيدي ومزاج شعبي حاد، من دون محتوى فكري أو نظري معين، وبالتالي فهي يمكن ان توجد حتى ضمن الحركات القومية والاسلامية والشيوعية، وعبر وجودها في هذه الحركات، فإنها تخرجها من إطارها النظري أو رؤيتها السياسية.

التفاصيل والأرقام هي عدوة الشعبوية الأولى ونقطة ضعفها الكبرى، فالحديث في الأرقام والتفاصيل يحتاج مزاجاً هادئاً وصبوراً ووعياً عالياً، وهاتان صفتان غائبتان في الحركات الشعبوية التي غالباً ما توظف تفسيرات مؤامراتية لفهم العالم وأحداثه. من الصعب التتبع الدقيق لتاريخ الشعبوية، لأنها ليست نظرية أو رؤية مستقلة بحد ذاتها في التاريخ المعرفي أو السياسي، وإنما حزمة مشاعر ومطالب ترد في سياقات مختلفة...

تتفاعل هذه العوامل في إطارها العام المعبأ بالأحاسيس الغاضبة والمقهورة، والاحساس بالتهميش الاجتماعي لتكون النتيجة سجالاً شعبوياً عقيماً بخصوص قضايا مهمة تمس حياة كامل المجتمع على نحوٍ جوهري.

Twitter: @Fahad_aljabri

Email: Al-jbri@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي