بعيداً عن تفاصيل التشكيلة الوزارية الجديدة، صدور مرسوم التشكيل في ذاته مؤشر على انتعاش المشهد السياسي، ومستجد يدعو إلى التفاؤل، خصوصاً بعد فترة الانتظار الطويلة. ولكن في الوقت ذاته، إحدى مقدّمات هذا التشكيل مدعاة للقلق، حيث إن الحكومة تشكّلت بعد تعرض قلب المشهد السياسي إلى صعقة نيابية عنيفة، على طاولة عمليات جراحية سياسية، في مؤتمر الانتفاضة الصحافي للتكتّل النيابي المهادن بالمجلس الحالي.
لذلك، ومن أجل تعزيز التفاؤل، المشوب بالحذر من تسابق الموالاة والمعارضة على استجواب الحكومة الجديدة بدعوى العودة إلى الأمّة، لخداعها بخطابات ووعود انتخابية مكرّرة؛ أدعو هيئات المجتمع المدني إلى المبادرة بتبنّي مشاريع إصلاحية تنموية تتوافق مع اختصاصاتها، والعمل على تسويقها لدى السلطتين التنفيذية والتشريعية، ليس لتكتفيا بتقديمها وتوثيقها لدى سجل إدارة الفتوى والتشريع والأمانة العامة لمجلس الوزراء أو الأمانة العامة لمجلس الأمّة، بل لتضمينها في برامج عمل الحكومة وجناحي البرلمان: الموالاة والمعارضة. ثم لتنقّح وتدرج في برنامج عمل توافقي بين الأطراف الثلاثة، برؤية إستراتيجية عابرة لأعمار ومدد مجالس الأمة، على أن يبدأ تنفيذه في المجلس الحالي – مهما قصرت المدّة المتبقية من عمره – وتستمر وتبقى الرؤية الإستراتيجية إلى أن تتحقق عبر برنامج عمل أو أكثر.
وعليه، أدعو جمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت ورابطة أعضاء هيئة التدريس للكليات التطبيقية، وغيرهما من الجمعيات والروابط المعنية بالتعليم العالي؛ أدعوها إلى إعداد وإعادة استحضار المرئيّات والاقتراحات بقوانين التي لديها في شأن تطوير التعليم العالي، خصوصاً انتقال مؤسساته الحكومية والخاصة إلى الجيل الثالث.
لا أدّعي أن مؤسسات التعليم العالي المحلية متقنة حالياً مهمتها المحورية الأولى، وهي إعداد خريجين مؤهلين مهنياً وعلمياً بقدر احتياجات سوق العمل. ولكنني أدعو إلى تعجيل الانتقال إلى الجيل الثالث بالتزامن مع تطوير التعليم العالي عبر تعزيز دور الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم.
ولا أزعم أن مؤسسات التعليم العالي المحلية تجيد حالياً مهمتها المحورية الثانية، وهي تنفيذ مشاريع أبحاث علمية لأغراض التنمية الوطنية. بل أدعو إلى وضع حوافز لتشجيع الأبحاث العلمية ذات التطبيق العملي الملبية لاحتياجات القطاعات الاقتصادية وخطط التنمية الإستراتيجية الوطنية، وذلك بالتناغم والتكامل مع دعوتي إلى تعجيل الانتقال إلى الجيل الثالث.
أدعو إلى تبنّي سياسات وتشريع قوانين وإصدار قرارات تشجّع مؤسسات التعليم العالي المحلية على الانتقال إلى الجيل الثالث. فعلى سبيل الأمثلة، أدعو إلى تشريع قانون يضيف «الاستثمار في المعرفة» كمهمة محورية ثالثة لمؤسّسات التعليم العالي الحكومية، وأدعو إلى ربط وضبط مستوى دعم الحكومة لكل منها بمدى ودرجة تحولها إلى الجيل الثالث، كما أدعو إلى مراعاة درجة تحول الجامعة الخاصة إلى الجيل الثالث في تحديد أعداد البعثات الداخلية التي توفد إليها.
وأما مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، فأدعوها إلى إعداد مشاريع أبحاث علمية تلبي احتياجات شركات القطاع الخاص الكويتية – المساهمة في دعم أنشطتها – ثم طرحها كمناقصات على مؤسسات التعليم العالي المحلية، لتقدّم عطاءاتها، ومن ثم ترسية المناقصات على أصحاب العطاءات الأفضل.
كما أدعو الجامعات المحلية والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب إلى إنشاء مراكز ووحدات علمية منفصلة عن الكليات، متعدّدة التخصص، تخدم قضايا تنموية محدّدة، كمدرسة للطرق والشوارع، تجمع أساتذة من جميع التخصصات ذات العلاقة، وتقدم برامج أكاديمية للطلبة وتنفّذ أبحاثاً تطبيقية لتطوير منظومات شبكة الطرق المحليّة.
تطوير التعليم العالي مجرد مثال واحد على الانتقال والتحوّل العام المطلوب في المجتمع المدني ومؤسساته، من مقاعد مسرحيّات الصراع النيابي بين الخير والشر، ومن صالات عرض أفلام الشغب السياسي والهدم الممنهج لأركان النظام الديموقراطي، إلى ميادين الإصلاح والبناء... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com