رأي قلمي

هناك طريق واحد...!

تصغير
تكبير

إنّ معظم الناس يعتقدون بوجود زلّات وأخطاء في حياتهم، ووجود عقبات ومشكلات، وهذه وتلك تكون موجودة بسبب قصورنا الذاتي وبسبب رغباتنا وأهوائنا، وبعضها يكون بسبب تجاوزات الآخرين، كما أن بعضها مجهولة المصدر بسبب الوضعية العامة، ونلاحظ أن معظم الناس ماهرون في تشخيص المشكلات التي سبّبها لهم الآخرون، ونادراً منهم مَن يتحدث عن دوره الشخصي في أشكال المعاناة، لأن ذلك سيجعلهم يُدينون أنفسهم، وتلك الإدانة تؤدي إلى توبيخ الذات، وهذا يتطلب مجاهدة النفوس والإقلاع عن الأخطاء والخطايا الشخصية، وهذا ما لا يرغب به معظم الناس.

قال الله تعالى: «حتى يُغَيّرواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ» أي أن الله - فطرَ شؤون الحياة عامة والإنسان خاصة على التغيّر وهو ما يشتمل على رحمة كبرى بالعباد، وهذا يدل على العدالة الإلهية المطلقة، إذ إن الناس يولدون في بيئات وظروف متفاوتة تفاوتاً كبيراً، وبعض تلك الظروف يكون محفزاً ومساعداً على التنمية والتطوير ونيل السعادة، وبعضها يكون مُؤلماً للغاية كما هو شأن من يولد وعنده عاهة دائمة، ومن يولد في بيت بائس متفكك ومنقسم على نفسه، ولولا سنن التغيير الذي بثها الله - تعالى - في الكون لظل هؤلاء يعيشون حياة مملوءة بالكروب بسبب الظروف الصعبة التي ولِدوا فيها.

إنّ الله سبحانه وتعالى - لا يغيّر أحوال مجتمع من المجتمعات من الخير والرخاء والعافية إلى الكرب والضيق والبلاء، كما أنه لا يغيّر أحوالهم من الكرب والشدة إلى الرخاء والنعمة إلّا إذا قاموا بتغيير ما بأنفسهم، وما هو انعكاس لما في أنفسهم، وهو سلوكهم ومواقفهم وعلاقاتهم، فالله - سبحانه وتعالى - يعامل الناس بأعمالهم من خير وشر من دون محاباة لأمة على أمة، وهذا دليل على عدله جل جلاله - ويعتبر هذا التعامل تكريماً عظيماً للإنسان، حيث سخّر له ما في بيئته ليكون تابعاً له، فإن صلح أصلح له الله ما يعجز عن إصلاحه، وأعطاه ما ليس في متناول يده، وإن فسد الإنسان وخالف الأوامر والنواهي رفع الله يده عنه، ووكله إلى نفسه، ونزع منه الكثير من نعمائه. وهنا يشعر الإنسان بأنه مركز الكون، لأن الله سخّر له ما في السماوات وما في الأرض، وهذا دليل على أن الإنسان يتحمّل مسؤولية أعماله على نحو كامل، وعليه أن يتصرّف على هذا الأساس.

فالآية هنا توضّح بجلاء أننا إذا أردنا تغيير ظروفنا ونوعية علاقات الآخرين بنا، فإن هناك طريقاً واحداً لذلك هو أن نغيّر ما في قلوبنا وأذهاننا ونفوسنا، وأن نغيّر سلوكنا وأعمالنا، الآية الكريمة بيان إلهي واضح للناس يجعلهم أمام مسؤولياتهم بدقة متناهية.

من لديه الرغبة والإرادة في التغيير الإيجابي فعليه بالآية الكريمة، فقد نصت على تغيير ما في النفوس، أي تغيير المشاعر والتوجهات والاهتمامات وتخليص القلوب من أمراضها والنفوس من رعوناتها، وهذا هو التغيير الجوهري والأساسي، لأن الأصل في سلوك الإنسان أن يكون صدى وانعكاساً لمعتقداته ومبادئه وروحه ونفسه، وتغيير المشاعر يكون من خلال العديد من الطرق، منها تغيير الأفكار، فالإنسان إذا تغيّرت أفكاره حول شيء تغيّرت مشاعره، ويمكن للنفوس أن تتغير وللمشاعر أن تتبدل من خلال الإحسان والمعاملة الحسنة، لكن هناك من يجادل في تغيير الطباع ويعتقد أنها لا تتغيّر، ولهذا فلا فائدة من المُجاهدة والعمل على ذلك، فتهذيب الطباع الرديئة ممكن إذا المرء استعان بالله وجاهد نفسه، وجعل وعيه يسيطر على أفكاره ومشاعره وسلوكه ومن ثمّ على علاقاته.

M.alwohaib@gmail.com

mona_alwohaib@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي