رغم استمرار تعطيل السلطة التشريعية، بسبب مقاطعة الحكومة جلسات مجلس الأمّة منذ جلسة المجلس المبطل الثالث في 10 يناير 2023، لمدّة جاوزت المئة يوم، وبالرغم من استمرار تقييد السلطة التنفيذية بتجميد عدد من صلاحياتها بسبب تأخّر تشكيل الحكومة لمدّة شهر، إلا أن الأمّة – مصدر السلطات – ما زالت مسلوبة عنها السيادة مغيبة عن حقائق المشهد السياسي، بسبب الغياب المديد للناطق الرسمي باسم الحكومة عن منصّات الإعلام، ولطول صمت النوّاب، حتى نوّاب «اعتصام بيت الأمّة» الذين اعتصموا في السنة الماضية اعتراضاً على تعطيل الجلسات النيابية الاعتيادية شهرين.
هؤلاء تجاهلوا الشعب في أزمة الشلل السياسي العاصفة بالبلاد، وتقاعسوا عن معالجتها، وانشغلوا بتوجيه وتلبية دعوات لحضور «غبقات» رمضانية. هؤلاء أشبه بحكومة وبرلمان الملكة ماري إنطوانيت، المنعزلة عن هموم وأحوال الشعب.
هناك حالة من الاستياء العام لدى الشعب بسبب دوام الصراع السياسي الفاجر، وهي حالة قد تكون صحّيّة إذا اقترنت بالصحوة المجتمعية السياسية الكاشفة لمواقع الخلل والداء في المشهد السياسي العليل. وهو الاقتران الضروري الحيوي لإنجاع المؤتمرات الوطنية التي تعقد لانتشال الأوطان.
ولكننا كمجتمع لسنا مهيّئين لانعقاد هكذا مؤتمر، لأننا نعاني من جماعات ومافيات سياسية – مشاركة في إخلال وإمراض الوضع السياسي – احترفت توظيف حالات الاستياء للتستر على تقصيرها المُخِل وأدائها المعيب، ولتعظيم مكتسباتها على حساب المصالح العليا للوطن والمواطن، عوضاً عن العمل الدؤوب والتنسيق مع الأطراف الأخرى في المشهد السياسي من أجل معالجة مكامن الخلل. والأمثلة على تلك الممارسات متعدّدة، ولكنني سأكتفي بعرض اثنين منها.
كتبت في السنوات الماضية مقالات عدّة حول زيف ادعاء العديد من النوّاب، أن مطالبتهم آنذاك بسط ولاية القضاء على قضايا الجنسية نابعة من حرصهم على فرض سيادة القانون. فهم في الوقت ذاته يرفضون بسط ولاية القضاء على طلبات دور العبادة.
وأشرت إلى أن غرضهم الحقيقي كان تغيير ميزان القوى في المشهد السياسي، بدليل أن تلك المطالبات استحدثت في مجلس 2016، بعد أن تمكنت الحكومة من احتواء اضطرابات الربيع العربي بالكويت.
فضلاً عن أنهم جمّدوا تلك المطالبات في مجلس 2022، بعد أن تغيّر المشهد لصالحهم.
وفي هذه الأيام، بعد أن حكمت المحكمة الدستورية ببطلان مرسوم حل مجلس 2020، اعتراضهم على بسط ولاية المحكمة الدستورية على المراسيم الأميرية، كشف أكثر زيف تبنّيهم فرض سيادة القانون.
فحكم المحكمة الدستورية الأخير انتصر لإرادة الأمة التي تمثّلت في انتخابات 2020، من الحل غير الدستوري، فضلاً عن أن الحكم أظهر ورسّخ معياراً دستورياً – كان خافياً – لقياس واقعية وجدّية السبب الوارد في مراسيم حل المجلس بموجب المادة (107) من الدستور.
لذلك، الأولى على من يتبنّى فرض سيادة القانون أن يطالب بمحاسبة الحكومة التي رفعت مرسوم الحل غير الدستوري وليس المطالبة بسحب وإلغاء حكم الإبطال المؤيّد من قِبل العديد من الخبراء الدستوريين.
الشاهد في هذا المثال الأول، أن العديد من نوّاب المجلس المبطل الثالث الذين تنازلوا مراراً وتكراراً عن «سلطاتهم الدستورية» وأولويات الشعب لصالح الحكومة، لجأوا هذه الأيّام إلى التجاسر على المحكمة الدستورية والانقضاض على سلطاتها وصلاحياتها، لأسباب عدّة، من بينها إلهاء وتنسية الناس أدائهم المخزي في المجلس المبطل الثالث.
وأما المثال الثاني فهو تصريحات بعض النوّاب في شأن حضور وقسم الحكومة المرتقبة أمام مجلس الأمة الحالي. حيث دعا العديد من أعضاء المجلس المبطل الثالث الرئيس المكلف الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، إلى مقاطعة جلسات المجلس، بذريعة أنه مجلس منزوع الشرعية.
فهل يعقل أن يصدر هكذا تصريح من نوّاب يتبنّون فرض وبسط ولاية القضاء؟ بل هل يعقل أن يصدر هكذا تصريح مؤزّم من نوّاب يحترمون النظام العام في الدولة؟... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com