رسالة قصيرة إلى أعضاء مجلس الأمة والنخب الأكاديمية المحللين والناشطين السياسيين والوزراء.
إذا عجزتم أن تكونوا عادلين فكونوا على الأقل رحماء متراحمين في ما بينكم... فارحموا أنفسكم واعفوها من الدخول في ملفات أنتم عاجزون عنها، فقد ضاقت صدور الناس من هذه التناقضات وسئمت نفوسهم من تلك المبالغات... فلا يمكن أن تكونوا رجال دولة عادلين في أحكامكم وأقوالكم إلّا إذا أصلحتم ذاتَ بينكم، وقبل ذلك تعلّمتم كيف تتجردون عن مصالحكم وأغراضكم قبل القيام بمهماتكم التي أولاكم إياها الدستور أو الواجب أو الضمير.
في الفترة الماضية ضاعت الحقيقة بل ماتت موتاً لا حياة لها من بعده بسبب ما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي من المدح والقدح... يسمع السامع أن زيداً مَلكٌ كريم ثم يسمع أنه شيطان رجيم!
فيكون انطباع الناس عنه صفر اليدين لضياع الحكم بين هذين الطرفين!
إنّ من التناقض بين أقوالكم وأفعالكم أن تنقموا على المفسدين ما أنتم فاعلون! وتأخذون عليهم ما أنتم به آخذون؟ فكل خطيب يهتف لكم هو عندكم رئيس الأمة، وكل كاتب يمدحكم هو عندكم أكتب الكتاب، وكل شاعر أخرج لكم شيلة هو عندكم أشعر الشعراء، وكل مؤلف أعلم العلماء وكل فقيه إمام الدين!
وإذا كان الأمر كذلك فأين الفاضل والمفضول؟ وأين الرئيس والمرؤوس؟ وكيف يكون زيدٌ اليوم أفضل من عمرو ويكون عمرو غداً أفضل منه؟ وأين الدستور الذي حث على العدل وحماية المنافسة والشفافية والعدالة الاجتماعية؟
وأين هي ملكة التمييز التي وهبها الله لكم لتميّزوا بها بين درجات الناس ومنازلهم؟ وهل الديموقراطية التي تفهمونها أن يكون الرجل الواحد في نظر بعضكم خير الناس، وفي نظر البعض الآخر شر الناس، ومن الفلول؟
لو تخيّلنا مجرد تخيل أن رجلاً عالماً من رجال الأجيال القادمة ذهب إلى إحدى المكتبات العامة ليفتش في تاريخ العمل السياسي في الكويت وقرأ ما كتبتموه في مُؤلفاتكم أو قلتوه في مضابط الجلسات ونشرتموه في الصحف والمجلات عن الناشط السياسي نراه تارةً عظيماً وأخرى حقيراً ومرة شريفاً عفيفاً، ومرة سارقاً للمال العام، وأحياناً عالماً وجاهلاً وذكياً وبليداً، وعاقلاً ومجنوناً جنوناً مطبقاً، لخرج ذلك الرجل من تلك المكتبة وهو أكثر ضلالاً مما دخل؟ وأين من يؤرخ لهذه الفترة من تاريخ العمل السياسي بالكويت؟!
خصوصاً بعد ذهاب من يوثق بعلمهم من رجال الكويت الذين قادوا نهضتها بعد اكتشاف النفط!
وأنهي رسالتي إليكم جميعاً فأقول:
لا تقل إنّ السكير عاقلٌ إذا رأيته غير فاسق ولا عاهر، واعلم أنه لا يشتهي الفسق ولا تنجذب إليه نفسه ولو اشتهاه لوقف من المواخير موقفه من الحانات، ولا تقل إن الفاسق عاقلٌ إن رأيته غير سارق ولا مختلس فإنه لا يحب السرقة ولا الاختلاس ولو أنه أحبهما لتسلّق القصور واعتلى أسوار الدور كما تسلّق إلى مكامن الفسق والفجور، ولا تقل إن صاحب الميسر عاقلٌ إن رأيته لا يشرب الخمر ولا يحب الفجور فإن القمار قد استهلك شهوته، ولم يدع لهواه فضله لسواه، ولولا ذلك لكان أكبر السارقين وأفسق الفاسقين.
فلا تكن من المصانعين الذين يزخرفون لأرباب الرذائل رذائلهم حتى يصوروها في نظرهم فضائل بما يلبسونها من أثواب التأويل ويلونوها بألوان التعليل، فتضيع الحقيقة بين الناس.
آملُ أن تكون رسالتي وصلت خفيفة.