نالت تونس استقلالها عام 1956، بعد 75 عاماً من الاحتلال الفرنسي وسارعت إلى تنفيذ مشروعها التنموي لدعم اقتصادها الذي يعاني من آثار الاحتلال الجائر. في ذلك العام ولمكانته العلمية عين الطاهر بن عاشور، عميداً للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين.
كان للعلامة ابن عاشور مواقف مشرّفة في التصدّي لمحاولات المحتل الفرنسي تغيير الهوية الإسلامية للشعب التونسي، وهي سياسة اعتاد عليها الفرنسيون وأي مستعمر آخر في البلاد التي يحتلونها وتقطنها شعوب إسلامية، لمسخ ثقافتها وربطها بالقاطرة الاستعمارية.
أجاب ابن عاشور في رده على من يعتبر الدولة الإسلامية ثيوقراطية وأن الحاكم في الإسلام يستمد قوته من الله بأن الحاكم في الإسلام يستمد سلطته من بيعة الأمة أو الشعب، وعلى حد قوله: «الخليفة لا يستمد سلطته من الله لا بوحي ولا باتصال روحاني ولا بعصمة».
كما يرى ابن عاشور أن الدين تشريع يقتضي تنفيذ قوانينه والمؤسسة التي يعهد لها هذا الدور هي الدولة باعتبارها من يمتلك السلطة التنفيذية، فالرسول صلى الله عليه وسلم، كان ينصّب الأمراء والقضاة لرعاية شؤون العامة، ما يعني أن الإسلام منظومة متكاملة لا يتعارض فيها الدين مع الدولة.
من مواقف العلاّمة بن عاشور التي نقشت في سجل التاريخ موقفه من دعوة رئيس تونس السابق الحبيب بورقيبة، العمال إلى الإفطار في رمضان بدعوى زيادة الإنتاج، على أن يقضي العمال ما فاتهم من صيام إذا توفّرت الظروف المناسبة لهم أو عندما يحالون إلى التقاعد! كانت دعوة مشبوهة في تحميل شهر من أشهر السنة مسؤولية ضعف الإنتاجية، يراد بها التشكيك في جدوى ركن الصيام، علماً بأن الاتحاد السوفياتي انهار اقتصادياً وكان الصيام محظوراً في جمهورياته الإسلامية الخاضعة لاحتلاله.
كان رد العلاّمة ابن عاشور واضحا على دعوة الرئيس بورقيبة العمال للإفطار في رمضان: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون».
ثم قال: «وصدق الله وكذب بورقيبة» يرددها العلامة ابن عاشور ثلاث مرات. وبذلك قطع العلاّمة ابن عاشور الشك باليقين وأبرأ ذمته أمام الله وأمام المسلمين، الأمر الذي دفع بورقيبة إلى إحالة العلاّمة ابن طاهر إلى التقاعد من الجامعة الزيتونية، ثم أمر بإغلاقها لمواقفها المشرّفة في الدفاع عن الهوية الإسلامية في تونس أمام زحف الثقافة الاستعمارية الاستبدادية الفرانكفونية. رحم الله العلامة ابن عاشور، وجزاه الله خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين.