نقطة على الحرف

الاتفاق السعودي - الإيراني وتوازن القوى

تصغير
تكبير

قبل التطرق إلى مدلولات وتداعيات الاتفاق السعودي - الايراني الأخير على المستويين الاقليمي والدولي... سأتناول بإيجاز مفهوم توازن القوى الدولي والذي يقوم على تعادل النفوذ بمعناه الشامل العسكري والاقتصادي والسياسي بين الدول العظمى والتكتلات الدولية... أما على المستوى الإقليمي فهو توازن جاء بدعم قوى دولية لحفز دول أخرى للتعامل مع نفوذ دولة أخرى في الإقليم بتشكيل تحالفات رادعة لتحقيق التوازن مراعاة لمصالح تلك الدول الراعية لهذا التحالف، ولمصالح الدول المعنية ذاتها والأمثلة عديدة لا مجال لسردها في هذا المقال.

ونعود إلى الاتفاق الأخير بين الجارتين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الاسلامية، والذي تم برعاية صينية غير مسبوقة بدخول الصين الديبلوماسي الفاعل في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وهو دخول دوافعه مصلحية ذات إدراك بالواقع الجيوسياسي الجديد يتطلب منها كقوة اقتصادية توظيف قدراتها الديبلوماسية لتحقيق أكبر قدر من العلاقات والمكاسب الاقتصادية والسياسية، لما لها من وزن سياسي واقتصادي وعلاقات متشعبة مع معظم دول العالم، ناهيك عن عضويتها في منظمة شانغهاي والبريكس.

... هذا الاتفاق الذي أثلج صدور الجميع خصوصاً دول الجوار الاقليمي بل والمجتمع الدولي بأسره الباحث عن الاستقرار في المنطقة ونزع فتيل التوتر والتدخلات غير المقبولة في دول كالعراق، سورية، اليمن، لبنان وغيرها، وشن الحروب بالوكالة أو مايسمي proxy war ...

المملكة العربية السعودية قوة نفطية ومالية واقتصادية لها تحالفاتها الدولية التقليدية، وذات نفوذ نفطي واقتصادي في منظمة الدول المصدرة للنفط opec، لديها طموحاتها المشروعة في تنويع تحالفاتها لضمان مرونة ديبلوماسيتها ومواجهة التقلبات في المزاج السياسي الدولي... لديها رؤى اقتصادية رائدة تحملها قيادة شابة واعية ومدركة أن المبادرة هي أساس النجاح، وأن التردد مآله الفشل، ولايمكن لهذه الرؤى أن تتحقق في إقليم مضطرب بل في محيط مستقر ودول جوار داعمة لها لا مستفزة في سلوكها وسياساتها.

بالمقابل، فإيران دولة ذات عمق جغرافي وتاريخي وثقافي وقوة بشرية، وتربطها بدول الجوار روابط دينية واجتماعية قوية، تمتلك إمكانات نفطية هائلة، وذات تحالفات دولية مهمة، خصوصاً مع روسيا الاتحادية، وعلاقات متطورة مع الصين، ولديها أيضاً طموحاتها التي لا يمكن أن تتحقق سوى بنهج سياسي رزين مبتعداً تماماً عن السياسات المثيرة للقلق والانزعاج من دول جوارها الإقليمي، وقد يساعدها هذا السلوك المتزن على الخروج من مآزق عديدة أوجدت نفسها فيها، وتحديداً مأزق الملف النووي.

الاتفاق فرصة سانحة وأمل مشرق للجميع لتحكيم العقل والمنطق، وتوظيف القدرات المالية والاقتصادية لخير شعوب المنطقة.

وأخيراً نستذكر بكل إباء دور الكويت الديبلوماسي الذي يفوق حجمها الجغرافي، والذي رسمه المغفور له سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، والذي كان صمام أمان لمنع انزلاق المنطقة إلى أتون الحروب الجديدة بالابقاء على قنوات التواصل مع الجميع، إدراكاً من سموه بأن من أهم ركائز الديبلوماسية الابقاء على قنوات التفاوض مفتوحة، فالمصالح هي الأساس والخلافات زائلة وهو مبدأ تقوم عليه العلاقات الدولية (لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة بل مصالح دائمة) حفظ الله الجميع وابرم لبلدنا أمر رشد.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي