No Script

مشاهدات

أنتم في ضيافة الرحمن

تصغير
تكبير

أقبل علينا شهر رمضان المبارك بلياليه الملهمة، وبأيامه المعلّمة، وبأجوائه العابقة بالذّكريات، والعِبر الدافعة إلى الحزم والانضباط، ونصوم ونحيي الليالي، نعظّم الشعائر، نستقبله بقلوب وجلة ونفوس خاشعة وعيون دامعة وأخلاق سامية وأيد باذلة وبأرواح على الطاعة أقبلت وعن المعاصي فرّت وأدبرت...

قال النبي الأكرم محمد - صلى الله عليه وآله - عن شهر الله:

( أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات، ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه، أيها الناس من فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه، أيها الناس، من حسن منكم في هذا الشهر خلقه، كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه).

عندما يقبل شهر رمضان فإننا نستوحي من كتاب الله وسنة نبيه أن هذا الشهر يراد من خلاله إيجاد منهج تربوي ثقافي روحي يتزود منه الفرد المسلم بطاقة روحية تمتد إلى السنة كلها.

نستلهم الكثير من العِبر والدروس التي جاءت في خطاب النبي الأكرم- صلى الله عليه وآله - في استقبال الشهر الفضيل المليئة بالرحمة والبركات الربانية المضاعفة، فهو من أفضل الشهور عند الله تعالى، والذي خصّه الله بمزيد من القداسة والميزات:

-(أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات).

شهر رمضان، شهر الله أضيف إلى المولى سبحانه من باب التشريف والتعظيم، فكل شيء يضاف إلى الله وينسب إليه يزداد شرفاً وعزاً، زماناً كان أو مكاناً أوعيناً من البشر أو من غيره.

فلهذا الشهر خصوصية تختلف عن بقية الشهور، ولذلك يجب علينا اغتنام هذه الفرصة ومنها نهيئ أنفسنا على اغتنام كل أيام السنة.

(هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله).

يدعونا الله عز وجل فيه إلى ضيافته الكريمة، وأن نكون من أهل كرامته، عادة عندما توجه لنا دعوة بزيارة أحد الأقارب أو الأصدقاء نلبيها ونجد حفاوة الاستقبال والعناية من الداعي، فيا ترى إن كنا ضيوفاً عند خالق الكون فكيف ستكون حفاوة الاستقبال، فبالتأكيد هو يحب عباده وأرأف عليهم من الأم الرؤوف بأولادها.

(وجعلتم فيه من أهل كرامة الله)

فنحن ممن خلقه الله وكرّمه وفضّله وسخّر له الأشياء ليكون مستحقاً لخلقته، الله سبحانه يكرم الجميع بلا استثناء لا يفرق بين الناس، والمؤمنون يكون كرمه وعنايته لهم أكثر.

(أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول)

إن كانت أنفاسه مرتبطة مع الله فهي تسبيح، أما إذا كان يشتم ويظلم ويتعدى على الآخرين فأنفاسه مقترنة مع الشيطان، والنوم بمقدار ليس طوال الوقت إنما هو نوم قليل ليتقوى على العبادة.

(وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب)

أحياناً تتأخر استجابة الدعاء بسبب وجود موانع أو يكون تأخر استجابة الدعاء فيه مصلحة للعبد، وبالتأكيد العمل الصالح هو المطلوب وعليه الأجر والثواب.

(فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه)

الأعمال كلها تؤدي بنيات صادقة وخالصة لله عز وجل، فهي ليست للتباهي والتفاخر بين الناس فالقلوب يجب أن تكون طاهرة وطيبة، وقراءة القرآن ليست عجلة وتسابق لختم القرآن ختمات عدة خلال هذا الشهر، إنما هي للقراءة والتدبر في معانيه، والمطلوب القراءة بالتأني والفهم ومراجعة التفسير كي نعرف القرآن ومعانيه ومراد الله من كلامه.

(فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم)

إنّ أبواب السّماء في هذا الشّهر مفتوحة، ودعاء العباد مستجاب، والدّعوة للإنسان قائمة حتى يستفيد من هذا الشّهر في طلب التّوبة والاستغفار، ويعقد العزم على خلوص النيّة والعمل لله، وصولاً إلى رحمته والقرب منه.

يقول سبحانه: أنا عند ظن عبدي بي فإن ظننت خيراً كان خيراً وإن ظننت شراً كان شراً.

(وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم)

هناك الكثير من المحتاجين والمساكين سواء في الأوطان أو في خارجها والأولوية لإغاثة المحتاجين في الأوطان، فقد جاء في الحديث الشريف (لا صدقة وذو رحم محتاج) فالثواب الأكبر مساعدة الأقارب أولاً، ومن ثم مساعدة من هم في الأوطان، وأخيراً مساعدة من هم خارج الأوطان.

هناك أناس فقراء يشعرون بالجوع ولا يجدون ما يأكلون وأن هناك أيتاماً فقدوا آباءهم وأمهاتهم... فعلينا أن نشعر بالمسؤولية في رعايتهم وتربيتهم وعنايتهم حتى نكون بمنزلة أسرهم، فلنطلب من الله العفو والغفران فهو يتقبل التوبة ولنرفع أيدينا بالدعاء في أوقات صلواتنا لأن الصلاة هي معراج المؤمن إلى الله، ونبتهل إليه فإنها افضل الساعات فكل نفس مرهونة بأعمالنا فلنحررها بالعبادة والاستغفار وحسن الخلق وأن نصوم عن ظلم الآخرين، وان نخفف عن الآخرين معاناتهم.

(ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم)

كبار السن لهم كل الاحترام والتقدير، مثلاً، عندما يدخل كبير السن مجلساً ما ثم لا يجد له مكاناً، فهنا يجب على الصغار إفساح المجال له، وكذلك الحديث معهم باحترام، كذلك التعامل مع الصغار لا يكون بالشدة والقسوة المفرطة فذلك له تأثير سلبي على الأبناء عندما يكبرون.

(وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم)

فالمشكلة الكبرى وقت الفراغ والذي قد يكون سبباً للاتجاه إلى المحرمات، إن الفراغ والشباب والجِدَة: مفسدة للمرء أي مفسدة.

(أيها الناس من فطّر منكم صائماً مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه)

من أطعم مؤمناً حتى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا الله رب العالمين.

كما قال الله عز وجل: «أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ».

وقال تعالى:«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ».

فالقرآن كتاب الهداية، ورمضان شهر القرآن والصيام، فهناك ارتباط وثيق بين شهر رمضان والقرآن.

فهو هداية للناس يهديهم الصراط المستقيم وفيه بينات من الهدي فهو يفرق ويفصل بين الحق والباطل.

(أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه)

حُسن الخُلُق: «تليّن جناحك، وتطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببشرٍ حسن».

ومن جوانب الخُلق العظيم لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-:

«كان أجود الناس كفّاً، وأرحب الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذمّة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبّه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله».

(ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه).

صلة الرحم تعمر الديار وتزيد في الأعمار وإن كان أهلها غير أخيار.

إن هذا الشهر الفضيل قد أقبل علينا بالبركة، شهر أراد الله للناس أن يرجعوا فيه إليه بحيث تكون عقولهم لله وحياتهم لله فلا يكون للإنسان فيه شيء لغير الله. إن الله يبارك في هذا الشهر عباده ويمنحهم البركة وان فاضت هذه البركة على الانسان فإنها تكون سبباً لسعادته ورحمة الله به، فالله ينشر رحمته ويسهل الأمور في هذا الشهر الفضيل فيما لا يفيضها في أي شهر آخر.

إن الله سبحانه وتعالى يغفر في هذا الشهر، وفي كل ليلة للمستغفرين ويمتد غفران الله للخاطئين والمذنبين، لذلك فإن هذا الشهر جاء محملاً بالبركة والرحمة والمغفرة، فعلينا ان نستفيد من ذلك لنتقرب إلى الله أكثر وإلى محبة الله أكثر.

ختاماً:

إنه شهر تربوي روحي نحاول التقرب فيه من الله وأن ننمي أرواحنا وأن نعمل فيه الخير لله بكثرة العبادة والصلاة والدعاء له، وللناس بمد يد المساعدة إليهم وحسن التعامل معهم والرفق والتودد إليهم، لنتمكن من الوصول إلى مرضاة الله والفوز ببركاته.

إن ابواب الجنة في هذا الشهر مفتوحة، فلنسأل الله ألا يغلقها علينا، وأبواب النار مغلقة فلنسأل الله ألا يفتحها علينا، والشياطين مغلولة فلنسأل الله الا يسلطها علينا.

وهنا نتذكر أحبة لنا آباء، أمهات، إخوة، أزواج، زوجات، وأبناء، وأصدقاء وأقرباء، حالت بينهم وبين شهر رمضان هذا العام المنية، فندعو الله لهم بالرحمة والمغفرة.

اللهمّ إن أمواتنا اختفوا من حياتنا ولكن لم يختفوا من قلوبنا ولا ذاكرتنا، رحم الله من كانوا يفرحون معنا في إحياء شهر رمضان بل كانوا بوجودهم يزيدونه جمالاً وبهاءً، فوالله فقدتكم العيون والقلوب والأماكن، السلام على أحبائنا الغائبين عن موائد إفطارنا.

إن الشوق واللوعة تزداد عندما نتذكر تجمعنا معاً على مائدة الإفطار في رمضان وإحياء لياليه بقراءة القرآن معكم، نتذكرهم ونشتاق لكم في كل الأوقات، اللهمّ اجعل موائدهم وإفطارهم ومسكنهم في جنات النعيم مع الصالحين من عبادك، اللهم ارحمهم واغفر لهم واجعل مستقرهم أفضل من مساكنهم في الدنيا، اللهم أسبغ علينا الصبر والسلوان لفراقهم وارحمهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أسألك يا رحمن يا رحيم أن ترحمهم وترزقنا اللقاء في جنتك وأن يكونوا مشمولين في رحمتك وعطفك يارب العالمين.

اللهمّ احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي