No Script

الصين تشتري البضاعة الروسية بالرخيص

تصغير
تكبير

يظلّ التوقيت أهمّ ما في الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جينبينغ لموسكو. إنّه توقيت صيني بامتياز. جاءت الزيارة بعد مضي سنة وأقل بقليل من شهر على بدء الحرب الأوكرانيّة في 24 فبراير 2022.

قبل اندلاع الحرب التي بدأها فلاديمير بوتين، الذي اعتقد أنّ الجيش الروسي سيتمكن من إسقاط كييف ودخولها في أقلّ من أسبوع، زار الرئيس الروسي، بكين.

كان ذلك مطلع فبراير 2022. جاء ليحضر افتتاح دورة الألعاب الأولمبيّة الشتوية التي استضافتها العاصمة الصينيّة ومناطق محيطة بها.

لم يكن افتتاح الدورة الأولمبيّة الشتوية سوى ذريعة استخدمها بوتين للمجيء إلى بيغينغ وجس نبض الرئيس الصيني عشية خوضه مغامرته الأوكرانيّة.

كان واضحاً أن الصين لم تكن متحمسة كثيراً لدخول تلك المغامرة. كذلك، كان واضحاً أنّها فضّلت ممارسة لعبة الانتظار، إذ يبدو أنها لم تكن مستعجلة على رهان غير مضمون النتائج.

يظهر أن شي جينبينغ أدرك منذ البداية النتائج المتوقعة للحرب الأوكرانيّة وما سيترتب على الحسابات الخاطئة لبوتين.

جاء الرئيس الصيني إلى موسكو ليقطف ثمار الانتظار من جهة وشراء ما لدى روسيا تبيعه بأبخس الأثمان من جهة أخرى.

جاء لشراء ما لدى روسيا بالرخيص. هذه عقلية التاجر الصيني الذي يعرف كيف الانقضاض على الفرص في التوقيت الذي يناسبه.

أظهر الرئيس الصيني بالفعل نضجا سياسيا افتقده بوتين.

اثبتت الصين، في الماضي القريب، نضجها السياسي عندما انتظرت سنوات عدّة قبل أن تقضم هونغ كونغ نهائيا بعدما تخلت بريطانيا عن مستعمرتها السابقة في 1997.

قبلت الصين في البداية وجود نظام خاص لهونغ كونغ. ما لبثت، بعد مرور سنوات عدّة، أن فرضت عليها ما تريد فرضه غير آبهة بالاحتجاجات الأميركيّة والبريطانية على وجه التحديد.

لم تأبه أيضاً باحتجاجات أهالي هونغ كونغ الذين انتفضوا في العام 2014، مطالبين بالحرّية واحترام الصين للاتفاق الذي وقعته مع بريطانيا تحت عنوان «نظامان في بلد واحد».

انتهت تجربة هونغ كونغ لمصلحة النظام السياسي الصيني، نظام الحزب الواحد، الذي احكم شي جينبينغ قبضته عليه.

استطاع الحصول على ولاية رئاسيّة ثالثة فارضاً نفسه الرجل القويّ من دون منازع، على غرار ما كان عليه ماو تزي تونغ، مؤسس «الصين الشعبيّة».

في كلّ يوم يمرّ، يغرق بوتين أكثر في الوحول الأوكرانيّة. اتكل في الأشهر القليلة الماضية على «الجمهوريّة الإسلاميّة» في ايران التي دعمته بما يكفي من المسيّرات والصواريخ كي يكمل الحرب التي شنّها على أوكرانيا والتي كان يتصوّر أنّها ستكون حرباً خاطفة تنتهي بسقوط الرئيس الأوكراني المنتخب فولوديمير زيلينسكي وحلول دمية تابعة لموسكو مكانه.

يتنقل زيلنسكي هذه الأيّام في الجبهات. زار مواقع قرب باخموت حيث تدور معارك شرسة. انتقل بعد ذلك إلى منطقة خيرسون التي صمدت في وجه القوات الروسية في أواخر العام الماضي وحالت دون تحقيق انتصار استراتيجي لبوتين.

يشكو زيلينسكي من عدم الحصول على الأسلحة التي يحتاج الجيش الأوكراني لها كي يحول دون تحول الحرب إلى حرب طويلة تستمرّ سنة أخرى أو أكثر.

يعرف الرئيس الأوكراني ما على المحكّ، خصوصا أنّ الحرب الأوكرانيّة صارت حربا روسيّة - أوروبيّة. لا يمكن تجاهل الدور الأميركي في هذه الحرب وذلك الإصرار لدى إدارة جو بايدن على منع بوتين من تحقيق انتصار في أوكرانيا.

مهما قيل ويقال عن الرئيس بايدن، يظلّ الرجل صناعة الحرب الباردة التي بدأ حياته السياسيّة، عضوا في مجلس الشيوخ، في ظلّها. صنعت الحرب الباردة وذهنيتها شخصية الرئيس الأميركي الحالي.

لا يمكن تجاهل أنّ بايدن كان بين الأعضاء الديموقراطيين في مجلس الشيوخ الذين أيّدوا الحرب على العراق في العام 2003.

بغض النظر عن الموقف من تلك الحرب ومن الكارثة التي أدّت إليها، فإن موقف الرئيس الأميركي، في العام 2003، يكشف أنّه كان لم يكن من فريق الحمائم في مجلس الشيوخ.

طرح بايدن في حينه أسئلة في شأن الفائدة من الحرب على العراق، لكنه انتهى إلى تأييد تلك الحرب التي شنتها إدارة جمهوريّة برئاسة جورج بوش الابن...

تتصرّف الصين في الموضوع الأوكراني تصّرفا انتهازيا. طرحت خطة للسلام وافق عليها الجانب الروسي.

ينقص هذه الخطّة التي تتحدث عن سيادة الدول، الكثير. ينقصها أوّلا إدانة العدوان الروسي على دولة مستقلة. الأهم من ذلك كلّه أنّ الصين تسعى إلى إرضاء موسكو، أقلّه شكلا.

تريد وقفاً لإطلاق النار يكرّس أمرا واقعا هو الاحتلال الروسي لجزء من الأراضي الأوكرانيّة.

مثل هذا الاحتلال غير مقبول أوروبيا، لا لشيء سوى لأنّه يعني أنّه بات مسموحا لروسيا احتلال أراض تابعة لدولة أخرى في القارة الأوروبيّة من دون حسيب أو رقيب.

ماذا إذا وجد بوتين، في رضوخ أوروبا والولايات المتحدة للأمر الواقع الذي يسعى إلى فرضه، بابا لشن حروب جديدة انطلاقا من أوكرانيا؟

نجح شي في امتحان الانتظار. يعرف جيدا أنّ بوتين في وضع لا يحسد عليه، خصوصا أنّه لم يترك امامه سوى خيار واحد هو التصعيد. عندما يتحكم خيار التصعيد بالرئيس الروسي، يصبح طبيعيا أن ينتهي في الحضن الصيني.

يعني وجود بوتين في الحضن الصيني قبوله صفقة يخرج منها شي رابحاً.

في أساس هذه الصفقة دعم سياسي صيني محدود لروسيا في المواجهة مع الغرب في مقابل النفط والغاز الروسيين بحسومات كبيرة، بل كبيرة جدّا.

قليل من الدعم السياسي الصيني لروسيا في مقابل مكاسب كبيرة في مجال الطاقة يجنيها شي جينبينغ.

كلّ ما في الأمر أنّ الصين تشتري ما لدى روسيا بيعه بالرخيص.

يعرف شي جينبينغ جيدا أنّ عليه مواجهة اميركا وإن ضمن حدود معيّنة وأنّ بوتين، الذي تورط في أوكرانيا، يستطيع أن يكون أداة من أدوات هذه المواجهة ومتطلباتها!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي