آخر عروض مهرجان أيام المسرح للشباب 14

«صورة عائلية»... عميقة فكرياً سوداية في طرحها

تصغير
تكبير

بين العمق الفكري والسوداوية، اختتمت مسرحية «صورة عائلية» العروض المنافسة ضمن مهرجان أيام المسرح للشباب 14، الذي قدمته شركة «ِترند برودكشن» من فوق خشبة مسرح «حمد الرجيب» في المعهد العالي للفنون المسرحية، وهي من تأليف مريم نصير وإخراج هاني الهزاع، شارك في بطولته سماء العجمي، محمد الكليبي، ماجد البلوشي، أحمد الرشيدي، بدر الهندي، علي المهيني ومحمد الزنكي.

المسرحية طرحت في مضمونها عدداً من القضايا الاجتماعية والأسرية في قالب تراجيدي سوداوي لم يتخلله أي جرعة من الأمل أو ملامح الكوميديا. وعلى الرغم من ذلك، استطاعت أن تلامس الوجدان والمشاعر، وتمثلت بقصة أب وأم ينتظران كل ليلة عودة أبنائهما الأربعة إلى المنزل، حيث كان الأب يعبر عن غضبه وشوقه في آن واحد، في حين تحاول الأم التخفيف عنه، لكن عندما تكون وحيدة تخنقها العَبرة وتبكي حرقة عليهم وهي تتذكرهم.

بعد ذلك، يظهر الأبناء الأربعة في مشاهد مختلفة، فالأول يتضح أنه مسجون، والثاني يلهث خلف الأموال، والثالث سكّير، في حين الرابع فقير.

وبين هذا المشهد وذاك، يراود الأم وسواس على هيئة شخص يخبرها عن أحوال أبنائها، لكنها تحاول الهرب منه ومصارعته، لكنه سيطر عليها في الختام وقتلت أولادها الذين يعتبرون أعز ما تملك في إسقاط سوداوي بحت.

مشاهد مسرحية مليئة بالمأساة والحزن والألم والأسى طغت على أجواء العرض، الذي كانت حواراته عميقة المعنى والمغزى. وما يحسب للمخرج الهزاع، اختياره السليم للنص الذي صاغته نصير ببراعة، وأيضاً انتقاء الممثلين الذين تقمصوا أدوارهم بصورة جيدة جداً بحسب ما هو مطلوب منهم، إلى جانب بطل الإضاءة عبدالله النصار الذي قدم إبهاراً رائعاً، وأيضاً اختيار بدر الشعيبي ليضع بصمته في صناعة الموسيقى، ولا نبخس حق الماكياج الرائع الذي وضعه عبدالعزيز الجريب والأزياء التي صممها طلال الفريحي، وحتى الديكور الذي صممه محمد بهبهاني رغم أنه كان فقيراً متشحاً بالسواد.

أما ما أخفق فيه الهزاع في العرض، فهو استخدامه لآلات السحب أكثر من اللزوم، والأهم أننا لم نعرف ما الذي يريد قوله ويقدمه من رؤية، فهل الأم قتلت أولادها بسبب يأسها أم لرفضها، أم أنها قتلت المجتمع.

لذلك، فإن الإغراق في الرموز ليس لصالح العمل، ويمكن أن يكون الحل موجوداً في رأس المخرج، لكننا لم نره متجلياً فوق خشبة المسرح.

في النهاية، الهزاع هو مشروع لمخرج شاب مهم، استطاع أن يوزع الكتل بشكل سليم، وكان واضحاً أنه أشغل المساحات للممثلين، وقدم لنا صوراً مسرحية جميلة جداً.

ندوة تطبيقية ختامية

أعقبت العرض المسرحي آخر الندوات التطبيقية من المهرجان، والتي أدارتها المذيعة إسراء جوهر بحضور المؤلفة مريم نصير والمخرج هاني الهزاع.

بداية تحدثت جوهر، بالقول: «قبل مباشرة الندوة، أوجه دعوة لكل الشباب، خصوصاً طلبة وخريجي قسم النقد والأدب المسرحي لممارسة ما تعلموه طوال سنوات، وليفعلوا كما فعل زملاؤهم الممثلون فوق الخشبة، لا تخافوا من الخطأ في ظل وجود أساتذة كبار معنا قد يصوبون ويعدلون المسار لكم».

بعدها، أتيح المجال أمام الحضور، والبداية كانت مع المخرج والممثل نصار النصار الذي قال: «أضع في مكتبي صوراً لكل الشباب الذين ساعدوني، وكنت في السابق أشعر بالحزن لأن أصدقائي ليسوا معي في أعمالي، ويفضلون العمل وحدهم، لكن عندما بدأت بمشاهدة عروضهم باتت السعادة تتملكني.

فخور بكم، وفخور بالمخرج الذي اجتهد وبذل المجهود. الإيقاع المسرحي لهذا العرض يحتاج من يفهمه، ونصيحتي سافروا إلى أوروبا بعدها تكلموا عنه».

أما المخرج والفنان رسول الصغير، فقال: «لديّ مقترح أتمنى أن يتم أخذه بعين الاعتبار، وهو أن يقام مهرجان الشباب دائماً في المعهد العالي للفنون المسرحية، لأن أفضل جمهور لمثل هذا المهرجان تجده هنا.

باختصار، العرض أفرحني كونه منحناً مخرجاً شاباً استطاع ببراعة أن يوزع الكتل المسرحية بالشكل الصحيح، كذلك الأمر كانت الإضاءة تحت قيادة عبدالله النصار صحيحة، ولا أنسى الممثلة سماء العجمي التي لعبت على الناحيتين.

كل هذه الأمور جعلتنا نحكم ونتأكد من وجود مخرج شاب مبدع له مستقبل باهر، فالجماليات تمثلت على شكل توزيع الكتل والحوارات والجمل».

في حين قالت الناقدة ليلى أحمد: «العمل صعب، والنص كان ذهنياً يُقرأ ومن الصعب تمثيله فوق الخشبة، لأنه حوار الروح التي تشابه مسرحيات توفيق الحكيم، فعلاً أعان الله المخرج الذي تمكن من تحريك الكتل.

بالنسبة إليّ كانت إضاءة عبدالله النصار ناجحة، لكنني أتعجب من مؤلفة النص مريم نصير كوني متابعة لها منذ بداياتها، فقد عودتنا دوماً على حصد الجوائز، لكن في هذا النص كان مستواها أقل من المعتاد، وربما يعود الأمر إلى انشغالها بالدراما التلفزيونية».

وأضافت «إلى جانب ذلك، على الرغم من المجهود الذي بذله المخرج، إلا أن الديكور كان فقيراً. وفي الختام أستغرب من السبب وراء النكد الذي غلب على عروض المهرجان، وعدم وجود النصوص الكوميدية التي تحاكي الشباب وتطرح قضايا مهمة، فالكوميديا موجودة مثل التراجيديا، وأتمنى في المستقبل أن أشاهد عروضاً ذات طابع كوميدي من الطاقات الشبابية».

أما الممثل والمخرج إبراهيم الشيخلي، فقال: «ما لاحظته في هذه الدورة من المهرجان هو النتاج الرائع الذي قدمته لنا سلطنة عمان من مبدعين في المسرح وليس قصوراً في البقية.

وفي ما يخصّ العرض المسرحي، أشير هنا إلى المخرج هاني الهزاع الذي سبق لي أن عملت معه، فهو يولي اهتماماً كبيراً لأداء الممثل قبل أي شيء، وهو ما كنت أتمنى أن أراه في (صورة عائلية)».

وأردف «سؤالي الذي أبحث عن إجابة له يخص أداء الممثلة سماء، هل كان مطلوباً منها أن تكون باردة في مشاعرها حتى بعد مقتل أولادها؟ وكان من الأجدر في مشهد الاعتراف أن تنفجر قليلاً، لنرى المفارقة في مشاعر الأم، لكن ما شاهدناه كان مشهداً غير طبيعي.

وفي ما يخص المؤلفة مريم والمخرج هاني، فشهادتي بهما مجروحة، كونهما دائماً يقدمان لنا المفاجآت».

وتبعته الكاتبة والمخرجة فرح الحجلي، قائلة: «لقد كنا أمام عرض يحترم الكلمة والصورة، وجميل جداً من مريم التوجه لأفكار كانت عميقة من دون تعقيد ومستساغة، فعلياً أحترم تجربة المخرج هاني الهزاع ومريم».

أما الكاتبة فاطمة العامر، فاكتفت بالقول: «كلمة حب أوجهها إلى كل الفرق التي شاركت في المهرجان، مع تمنياتي للتوفيق جميعاً».

ختاماً، جاء رد المؤلفة مريم نصير بالقول: «لي في هذا المكان ذكريات عديدة، إذ على المسرح نفسه عرضت أول تجربة لي، كما فشلت في أول تجربة إخراجية، وحصلت على أول جائزة، واليوم بعد مرور ما يقارب 11 عاماً قدمت هذا النص، ولا أخفي القول إن الخوف ما زال موجوداً، وهذا الأمر يعطيني إحساساً بأن الشغف ما زال موجوداً وأن الشعلة في داخلي لم تمت.

شكراً لكل طاقم المسرحية من دون استثناء، لكن هناك أشخاصاً مهمين هم من كانوا خلف الكواليس فهم الجنود المجهولون، شكراً لصبرهم وتحملهم، شكراً لشركة (ترند) بقيادة بدر الشعيبي وعبدالرحمن اليحيوح، إذ دعمونا مادياً ومعنوياً، شكراً للمخرج المساعد أحمد أبل الذي أعتبره العمود الفقري لأي عرض مسرحي ناجح».

وتابعت «رداً على ملاحظة الأستاذة الناقدة ليلى أحمد، لقد تقدمت لهذا المهرجان للمشاركة بنص كوميدي مع المخرج محمد الأنصاري، لكنه لظرف ما قرر عدم المشاركة، بعدها طلبت من هاني المشاركة بنص كوميدي، لكنه يميل إلى التراجيديا أكثر، لذلك حاولت الموازنة بين رغبتي وبين رغبة المخرج في (صورة عائلية)، وأخيراً شكراً لكل من قدم رأيه حول العرض».

أما المخرج هاني الهزاع، فقال: «لست معتاداً على الرد في الندوات، لكن ما سمعته كان عبارة عن رؤوس أقلام وملاحظات لم أفهمها وأعتبرها رأياً أحترمه. شكراً على كل الإشادة ولكل من انتقد، والطرح سواء كان كوميدياً أو تراجيدياً فيعود للشخص نفسه، وأنا نظرتي للعالم تميل إلى التراجيديا، ولا أعرف في الكوميديا ولا أحبها إلا إن كانت سوداء. هناك أمور طلبتم مني تفسيرها، لكنني قدمت لكم ما أريد من رؤية كمخرج فوق خشبة المسرح».

وختم «سعيد كوني طبقت هذه التجربة، وشكراً للمؤلفة مريم نصير التي لم تتردد في كتابة النص الذي أريده، وشكراً لكل فريق العمل وشركة (ترند) على دعمها».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي