No Script

سافر إلى ذاتك

عن صناعة المرض النفسي

تصغير
تكبير

المتعارف عليه في الكتب والابحاث أن لحدوث مرض نفسي يحتاج الإنسان ثلاث ركائز مهمة، أولاها الاستعداد الوراثي والجيني، والثانية هو أسلوب تربيته منذ الطفولة، والثالثة هي تعرضه لظروف قاسية أقوى من قدرته على التحمل فينهار المرء.

جميع ما سبق جيد لحدٍ ما ولكن هناك الكثير من العوامل أيضاً التي تجعلنا مرضى نفسيين، وكثير من العوامل إن تواجدت لا أهمية لكل ما سبق في تأثيره علينا أو في وقوعنا في عالم التعب والمرض النفسي، فهي تكون عنصر الأمان في حماية نفسية الإنسان والمحافظة عليها، ومن أهم هذه العوامل هو شخص مقرب منك سواءً أم أو أب أو قريب أو صديق يقدم لك في مرحلة طفولتك ما كان لا يستطيع تقديمه لك الشخص المطلوب منه ذلك كأب مقصر أو أم غير مبالية، وكذلك قوة الرسائل النفسية التي تصل عنك، مقبول أنت قوي أم أنت ضعيف أو لا شيء. كذلك تعرضك للإهانة واخذت حقك بها مختلف تماماً عن الذي تعرض للإهانة ذاتها ولم يأخذ حقه منها، كل تلك الأمور تساعد في الصلابة والبناء النفسي القوي.

مع الأخذ بعين الاعتبار درجة حساسية كل طفل المختلفة والمتفاوتة عن الطفل الآخر، فلا وصفة تعمم على الناس، فقدرات الاستيعاب مختلفة والاستقبال متعددة والتحليل والفهم متفاوتة، كما أن هناك عاملاً مهماً في صناعة المرض أو الحصانة ضده وهو عامل القرار، وهذا العامل لا يشكل أي خلل بالمخ بل يشمل اضطرابات السلوك ويكون ذلك باستقبال الطفل في عمر الأربع سنوات إلى 7 سنوات رسائل عن نفسه وحياته سيئة ومشوهة له، ما يصنع مع مرور الوقت نفساً أخرى داخله مليئة بالتمثيل ليرضي بها الكبار ويدفن حقيقته داخله.

هذا القرار حل وقتي جيد، النتائج رضا المعنيين في التربية، والنتيجة الأخرى دفن الشخص لنفسه وفقدانه قدرته على التعرف على ذاته ويستسلم للواقع وظروفه القاسية فيصبح انطوائياً أو اعتمادياً أو غير مبالٍ.

كل ذلك لأنه أخذ قراراً بإرضاء الآخرين ودفن نفسه، وتدفن هذه النفس سنوات طوالاً يفقد بها كل قدراته على البحث عنها أو التعرف عليها، ومن نتائج ذلك أن لا قرارات حياتية تخصه بل مربوطة بإطار المجتمع ورضا الجماعة حوله ولأن المشكلة بدأت بقرار فحلها بقرار أيضاً، أي بمعنى، مهما كان ما عانيته، ومهما مررت بقسوة واضطهاد، ومهما وقفت أمامك الظروف وسلبت منك الحياة قدرتك أو قوتك أو الإثنين، فتحتاج أن تقرر أن تعود لنفسك.

عملية العودة تحتاج مساعدة من مختص ودعم كبير من محب، نعم المحب مهم، وهذا بمعنى علاقة واحدة طيبة هدفها إسعادك والمحافظة عليك واحتوائك والاستثمار بعودتك لنفسك.

شخص يجعلك تحب نفسك، تتصالح معها، تكون حقيقياً معها، علاقة تعيد لك الحياة.

ومن أهم الإثباتات العلمية لهذا الأمر هو دراسة هارفارد، التي أقيمت على النواحي الجسدية والنفسية لمجموعتين من السكان، هم 456 شخصاً عاشوا في بوسطن في الفترة من 1939 إلى 2014 (في ما يعرف بدراسة المنح)، ومجموعة ثانية هم 268 من الخريجين الجدد من صفوف هارفارد للفترة من عام 1939 - 1944 (في ما يعرف بدراسة غلوك).

فترة طويلة وعينات

نظراً لطول فترة البحث فقد تطلب أجيالًا من الباحثين لاستخلاص النتائج المطولة، وذلك منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية.

وفي تلك الفترة الطويلة تم أخذ عينات من الدم وإجراء فحوصات في الدماغ (متى ما توافر ذلك)، بالإضافة إلى العديد من المسوحات والتفاعلات بين أفراد هذه المجموعة بهدف تجميع النتائج.

وبحسب روبرت فالدينجر، مدير دراسة هارفارد لتنمية الكبار، فإن الشيء الذي يفوق كل الأشياء الأخرى في الأهمية هو العلاقات الجيدة، أي علاقة طيبة مليئة بالحب.

هل تتصور أن بعد 70 سنة من حياتك ستكتشف أن الحب والعلاقة الجيدة أهم من كل شيء في ذلك الوقت ماذا ستفعل؟ كيف ستجد هذه العلاقة؟

أظن أن وقت صناعتها حان الآن، لأنها تحتاج لكثير من الذكريات والكثير من المواقف، وتذكر دائماً المقولة التي تقول: لا تصل لعمر 70 وتلتفت حولك فتجد نفسك أحببت نفسك ولم تشارك أحداً الحب في الحياة.

Insta@ twitter @drnadiaalkhaldi

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي