No Script

قيم ومبادئ

لماذا يتقاتل العالَم؟

تصغير
تكبير

لو سألت في أي مكان في العالم أحد الجنديين المتقاتلين ما خطبُكما؟ ولماذا كل هذا الشحن والقتال؟ ولا أعتقد أن الجواب سيكون مقنعاً وحينها تذكرت قول الشاعر شوقي:

إلامَ الخُلفُ بينكم إلاما

وهذه الضجة الكبرى علاما

وفيم يكيد بعضكم لبعض

وتبدون العداوةَ والخصاما؟

بل متى بدت الخصومة بينكما وعهدي بكما أنكما ما تعارفتما إلا في الساعة التي دار فيها القتال؟ وانا اتابع أحداث الصراع في الشرق قفز إلى ذهني هذا السؤال حينما زار الرئيس الأميركي أوكرانيا وهي زيارة لا تختلف كثيراً عن زيارة الرئيس السابق جورج بوش للعراق في عيدهم الكريسماس من أجل المصالح الخاصة، فأميركا لا تساعد أوكرانيا إلا لأجل دحر روسيا للوراء وليس لتحقق فوزاً وانتصاراً؟ واستقراراً!

وعلى هذا الأساس نعرف تماماً بان الجنديين الروسي والأوكراني أنهما مخدوعان عن نفسيهما وأنهما ما خرجا من ديارهما إلا ليضعا رقماً في سوق أميركا التجاري أو نيشاناً في صدر القائد!

وما أكثر نياشينه التي توسمها على أشلاء البشر والجماجم...

حقاً، نحن نعاني من غياب القيم أو انعدامها فتعالوا معي بجولة سريعة إلى مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية سنجد أعدل القضاة من يحرص كل الحرص على ألا يهفو في تطبيق القانون هفوة يحاسبه عليها مَن منحه هذا الكرسي الذي يجلس عليه مخافة أن يسلبه إياه، إنما إنصاف المظلوم والضرب على يد الظالم وإرجاع الحقوق إلى أهلها... فهؤلاء درجة ثانية من البشر... وعليه فإنه يحكم بغير ما يعتقد وينطق بغير ما يعلم فدانَ البريء وبرّأ الجاني؟ وعلى هذا الأساس دارت رحى النظام الجديد.

وتعالوا معي إلى الزعماء السياسيين وقاموسهم السياسي حيث سنجد أن المعاهدة والاتفاق والقاعدة والعُرف والشرط ألفاظ مترادفة معناها الكذب؟ واللف والدوران... ولنترك هذا جانباً.

تعالوا وانظروا معي شعار الإنسانية ومن يرفعه؟ فإنك ستجد إن أعدى عدوّ للإنسان... الإنسان! وإن كل دولة من الدول الكبرى قد أعدت في مخازنها ومستودعاتها وقواعدها الجوية وعلى ظهور ناقلاتها العملاقة وفوق متون طائراتها ما شاء الله أن تعدّه لأختها وجارتها من عُدد الموت وألوان العذاب وأفانين الحيل، حتى إذا ما وقع بينهما الاختلاف على الحدود أو الألقاب أو النصيب من الغاز أو النفط، لبسَ هذا الإنسان الذي ينادي بالإنسانية لبس فروة السبع ووضع على رأسه قرنين مثلما فعل (جنكيز خان) واتخذ له من تلك العدد الوحشية اللاإنسانية أظفاراً وأنياباً كالوحوش الكاسرة ثم هجم وصال على أخيه الإنسان صولة الوحش!

وبعدها يرجع إلى مهجعه ليستطلع الأخبار ويتمتّع بالأنظار إلى الأهالي والمدنيين والنساء والأطفال وهم بالألوف يغادرون منازلهم الى العراء فراراً من القصف البربري، وفي آخر النهار مأواهم المخيمات!

وتعالوا معي إلى منظمة التجارة العالمية، وتحديداً حوانيت التجار والشركات العابرة للقارات فسنجد التاجر الكبير لصاً في أثواب بائع حيث يبيعك بدينارين ما ثمنه دينار واحد!

فعلمت أنه سارق الدينار الثاني، ولو وُكل إليّ أمر القضاء ما هان عليّ أن أعاقب لصوص الدراهم واغفل لصوص الدنانير! وسرّاق المال العام ما دام كل منهما يسلبني مالي ويستغفلني!

ومن الطبيعي أنني لا أنكر على التاجر ربحه، ولكني أنكر أن يتناول منه أكثر من الجزاء الذي يستحقه على جهد نفسه في جلب السلعة وبذل وقته في صونها وحفظها في مخازنها، وكل ما أعرف من الفرق بين حلال المال وحرامه أن الأول بدل الجدّ والكدح والعمل والثاني بدل الغش والتدليس والكذب!

وأخيراً، تعالوا معي إلى رجال الدين وأهل الكهنوت ورجال الصحف فسنجد أنهما يُتاجران بالعقول في أسواق الجهل ومراتع الأهواء، ونجد أن كلاً منهما بأسلوبه قد ثغر له في رأس كل مواطن ثغرة ينحدر منها الى العقول فيفسدها والقلوب فيقتلها والإنسانية ليمحوها، ليتوصّل بذلك إلى الذخائر والقيم فيسرقها والخزائن فيسلبها هذا باسم الرسالة السماوية والثاني باسم الرسالة الإعلامية... فلماذا نتقاتل؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي