No Script

رؤية ورأي

ديموقراطية حكم النوّاب

تصغير
تكبير

في فبراير العام الماضي، انتشر مقطع فيديو في الولايات المتحدة الأميركية، صُوّر بكاميرا بدلة عمل ضابطة شرطة المرور، موثّق فيه المضايقات والإساءات التي تعرّضت لها أثناء تحريرها ثلاث مخالفات مرورية للمرشّح الجمهوري للكونغرس مارتن هايد. حيث هدّدها بعواقب في مستقبلها المهني، وأهانها لكونها مهاجرة من جمهورية لاتفيا، إحدى جمهوريا الاتحاد السوفياتي سابقاً.

الأميركيون أظهروا تضامناً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي مع الضابطة، حيث أعربوا عن استيائهم من سلوك المرشح، وتأييدهم الكامل لموقف الضابطة التي أصرّت على تطبيق القانون من منطلق «لا أحد فوق القانون». لذلك تضخّمت الحادثة من مخالفات مرورية في مدينة صغيرة بولاية فلوريدا الأميركية إلى خبر تتناقله صحف عالمية مرموقة كصحيفة The Independent البريطانية.

هذا التعاطف الشعبي مع الضابطة دفع المرشّح إلى إصدار بيان ظاهره اعتذار وباطنه تحسين سمعة. فمن جانب، أعلن فيه أنه اعتذر للضابطة مسبقاً، وأنه يعتذر للمجتمع من خلال ذلك البيان. ومن جانب آخر، ختم بيانه بالقول إن طبيعته العدوانية عند المواجهات لها إيجابية في الساحة السياسية، وإن كانت مرفوضة على المستوى الشخصي.

ولكن هذين الاعتذارين للضابطة والمجتمع لم يسعفا المرشّح انتخابياً، حيث خسر الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية فلوريدا، بحصوله على ما يقارب 14 في المئة فقط من إجمالي الأصوات مقابل حصول منافسه – الجمهوري أيضاً – على ما يزيد على 86 في المئة. المراد أن المرشّح الذي أهان مهاجرة خسر الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، الحزب الذي سبق أن رشّح مرّتين، لانتخابات الرئاسة الأميركية، الرئيس السابق دونالد ترامب، المعروف بمعاداته للمهاجرين. لذلك يرجّح المراقبون أن السبب الأساس لتضامن الأميركيين عموماً والجمهوريين خصوصاً مع الضابطة هو تبنّيها شعار «لا أحد فوق القانون» في مواجهتها مع المرشّح، وليس مظلوميتها.

لا شك أن القانون في الغرب لا يطبّق دائماً بهذه الصورة المثالية، ولكن القدر المؤكّد هو أنهم يختلفون عنا كشعوب في المنظومة الديموقراطية، فمفهوم الديموقراطية لدى شعوبهم متمحور حول مبدأ «سيادة وحكم القانون»، وممارستنا للديموقراطية كشعوب أكثر تجسيداً لـ «سيادة وحكم الأشخاص».

لدينا العديد من الأمثلة الصارخة على سيادة الأشخاص عوضاً عن حاكمية القانون، ومن بين أحدث هذه الأمثلة أداء العديد من نوّاب المجلس الحالي، الذين كانوا يشجبون في المجلس السابق رفع الرئيس الغانم الجلسات لعدم حضور الحكومة، وكانوا يتصدّون له ولقراراته في قاعة عبدالله السالم وعبر المنصات الإعلامية داخل وخارج المجلس ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ثم تغيّروا فجأة وانقلبوا على مبادئهم في المجلس الحالي، حيث التزموا الصمت واكتفى بعضهم بالاعتراض المهذّب عند تكرار القرار ذاته ولكن من شخص مختلف، وهو الرئيس السعدون.

بل ان من بين هؤلاء النوّاب المخضرمين من صرّح في لقاء متلفز، ابّان مجلس 2020، أنه لم يكن في المجالس السابقة يعترض على رفع الجلسات لعدم حضور الحكومة لأن حالات رفع الجلسات كانت في حينها نادرة ومتباعدة، وانه بدأ بالاعتراض عليها بشدّة في مجلس 2020 لأنها تكررت في جلسات متتالية. البليّة المضحكة تكمن في عودة هذا النائب ونظرائه إلى السكوت بعد أن تغيّر رئيس المجلس، رغم أن رفع الجلسات لعدم حضور الحكومة مازال متواصلاً لمدة تجاوزت الـ56 يوماً، منذ جلسة 10 يناير إلى جلسة 7 مارس المرتقبة.

ليس غريباً أن ينقلب السياسي على مبادئه المعلنة ومواقفه السابقة، ولكن الغريب هو انقلاب البرلمانيين ممثلي الشعوب. والأغرب القبيح هو سكوت الشعوب عن انقلاب البرلمانيين، أو تبرير انقلابهم، والأغرب الأقبح هو ألّا ترى هذه الشعوب في سكوتها وتبريرها تقديساً لنوّاب وترسيخاً لحاكميتهم على حساب حاكمية الدستور والقانون.

لذلك، أي مشروع إصلاح سياسي لا يبدأ بتقويم ثقافة المجتمع ليس إلا مخطط لتطويع المنظومة الديموقراطية لصالح حاكمية أشخاص... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي