No Script

رأي قلمي

كلها مخلوقات لله...!

تصغير
تكبير

عند النظر الإجمالي في نظريات وتعاليم المنهج الإسلامي، نجد أن الإسلام يجعل من الحياة الدنيا والآخرة، والجسد والروح، والإنسان والطبيعة وحدة واحدة. فهي كلها مخلوقات لله - سبحانه وتعالى - والعلاقة بينها هي علاقة تواصل وتعاون، وليست علاقة عداء وإتلاف. وهذا ما يُميز المنهج الإسلامي عن باقي المناهج الأخرى أنه يقدّم تصوراً شاملاً مترابطاً للكون والحياة والإنسان. وأحيانا هذا التصوّر يُحدد الوجهة العامة في التعامل مع الطبيعة، ويتطرّق إلى أدق التفاصيل عند الحديث عن الحياة والإنسان.

وإذا أمعنا النظر في توجيهات المنهج الإسلامي، وجدناها تهتم بجوانب حياة الإنسان كافة، وفي جميع مراحله. لذا لم ولن نستطيع فصل منهجنا الإسلامي عن حياة الناس، المنهج فيه اهتمام شامل بحياة البشر، واستهدف الرقي بروح الإنسان وعقله وجسمه، كما استهدف تحسين أحواله المعيشية وإثراء معرفته بالبيئة المحيطة، كي يتمكّن من تسخيرها على الوجه الأكمل. وتثبت التجارب البشرية التاريخية منها والحضارية ذلك التصور ونجاحه في معالجاته لشؤون الإنسان. فالجسم إذا ما تجاهل حاجات الروح والنفس أُصيب بالضرر، والنفس إذا تجاهلت الجسم والروح أيضاً سوف تصاب بالضرر. والإنسان إذا تجاهل حدود الطبيعة وقوانينها وقدرتها على العطاء والتجدد أصيب كذلك من قبلها بالضرر.

هناك علاقة جدلية حميمة بين جميع عناصر الحياة أخذاً وعطاءً، فالإنسان إذا لم يؤمّن مطالب الحيوان لم يستطع الحيوان القيام بحاجته وهكذا... كذلك هناك علاقة مماثلة بين عناصر التقدم والتحضر، ومثلها موجود بين جميع عناصر التخلف، تتبادل العناصر بينها على وضعية التأثير والتأثر.

إن تأملنا أحوال المجتمع الكويتي، نجد فيه من عناصر التحضر والتقدم، وما يقابله من عناصر تخلف وتراجع. في الحقيقة التخلف الذي نعيشه اليوم فهو تخلف شامل: تخلف عن المنهج الرباني، وتخلف عن ركب الحضارة بمفهومها الحقيقي وليس المفهوم المستورد المبطن، وتخلف عن فهم التراث والإيجابية معه، وتخلف في تحقيق شروط إنسانية الإنسان بقطع النظر عن أي اعتبار آخر.

فنحن مثلاً لا نعرف من التحضر غير تقليد الآخر، تقليداً أعمى وأصم وأبكم، لأفكاره وأفعاله وحتى وإن كانت تتصادم مع أخلاقنا وقيمنا ومنهجنا الإسلامي برمته. وكلنا يعلم أن في عمقها الحقيقي هي ليست مظاهر تحضر أو تقدم بل هو أبشع تخلف يمر على مَنْ يقلّدهم ويتبعهم، مفتخراً بتراجعه وتخلفه من حيث يعلم أو لا يعلم.

إن كنا مستائين من الوضع الحالي، علينا أن نخطط للخلاص من حالة الضعف والوهن، تخطيطاً شاملاً للرقي بجوانب الحياة كلها، مع الاحتفاظ بالإحساس الدائم بمقدار الاهتمام والرعاية والأولوية الذي نعطيه لكل جانب.

هذا المدى الواسع لبناء التقدم والتحضر يجعل مسؤوليته شاملة لكل الراشدين العاقلين من أبناء المجتمع الكويتي على قدر الإمكانات والوسع، كما أنه يجعلنا نفتح عيوننا بشكل جيد لرصد الآثار الجانبية التي يخلفها الانحطاط أو الرقي على كل جانب من جوانب الحياة المختلفة، فليحاول كل واحد منا أن يحسب حساباً لكل فكرة أو كلمة أو حركة تأتي من الخارج، بحيث يمررها على مسطرة أخلاقيات ومعايير المجتمع، يمحصها ويهذبها، وبعدها ننطلق للأمام نحو التحضر والتقدم.

M.alwohaib@gmail.com

mona_alwohaib@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي