No Script

قيم ومبادئ

زعزعة رقمية!

تصغير
تكبير

لن أتحدث عن نسبة الغش في الامتحانات زمن «كورونا»، فذاك أمر يعرفه كل مَن هو في ميدان التعليم، ولكننا نأبى إلا القفز وترديد ما يردده العالم من شعارات طنانة مثل أهمية ملاحقة التطور والدخول ومسايرة متطلبات العصر؟ دون أدنى إشارة إلى سلبيات الثقافة الرقمية التي انتشرت بصورة حادة وسريعة التي زعزعت القيم والثوابت، وانعكست بها المفاهيم وتأثيرها على مظاهر السلوك الغريبة على مجتمعنا المحافظ مع العيش في أسر العالم الافتراضي وما يفرضه من العزلة والانقطاع عن الوسط الاجتماعي، مروراً بالهكرز، وصولاً الى الشذوذ والتنمر والعُنف المدرسي!

تعتبر الثقافة الرقمية هي القوة الدافعة لفئة الشباب وما تتميز به هذه الفئة من مرونة في سرعة التكيف التي تم توظيفها مع التوجهات العالمية مع إمداد الحكومات والنخب بما يُمكنهم من دمج التكنولوجيا الحديثة في عملهم بفعالية وإعداد مبادرات متكاملة لتحقيق تأثير مستدام لأصحاب القرار في (النظام العالمي الجديد).

ومشكلتنا اليوم لا تكمن في نقص المعلومة بل في الزيادة المفرطة فيها فضلاً عن وجود تغير في بنيتها وسوء توظيفها... ويفترض أن تتماهى الثقافة الرقمية مع القيم والمبادئ إلا أننا وللأسف نجد تغولاً في الأولى في مقابل ثقافة قيم ومبادئ قزمة وهشة وقصور في الخبرات العملية في الحياة وكيفية تدبير الأمور، بحيث يفتقر جيل الشباب إلى أدنى الأصول في التربية السليمة وأدب التعامل مع الآخرين.

وجانب آخر، نجد أن نسبة الثقافة المكتوبة قد تضاءلت بشكل مخيف، وهي ثقافة المطالعة والقراءة التي تشكّل قيمة معرفية وإنسانية والتي تربّى عليها (جيل الزمن الجميل) بحيث يفتخر ويفرح إذا اشترى كتاباً أو وجد مخطوطة نادرة قام بتحقيقها ونشرها، إلى جانب أن نسبة القراءة بين الكبار اختفت باختفاء الجرائد الورقية من الجمعيات، فضلاً عن توقف طلاب المدارس من زيارة المكتبات للتعرف على أنواع العلوم والمعارف، وشرح كيفية الإستفادة من الكتاب والفهرسة حتى أصبحت استعارة الكتاب شيئاً من التاريخ.

ويشير الكثير من الباحثين وعلماء التربية والاجتماع إلى أن علاقة الطفل بالكتاب في مجتمعاتنا العربية هي علاقة مخيبة للآمال ومحبطة، بل تكاد تكون ثقافة المطالعة معدومة!

هذا التراجع الحاد من أجيال الشباب مع الثقافة المكتوبة أصبح ظاهرة عامة بسبب سيطرة الثقافة الرقمية بكل ما تحويه من سلبيات أكثر من الإيجابيات، حيث أثرت على فكر وسلوك الطفل والشاب العربي، فأصبحت تشكّل مرضاً مزمناً لا يمكن التخلص منه، وذلك لأنه علق في شباك الشبكة العنكبوتية مع إن أوهنَ البُيوت لبيتُ العنكبوت لو كانوا يعلمون.

نحن لا ننكر أهمية (الديجتال) وهذا ما يفرضه عالم التطور في علم الإدارة والمحاسبة والإقتصاد، حيث وحّدت هذه الثقافة شعوب العالم وجعلتها تلاحق كل جديد حتى ظهر عندنا ما يسمى «بالاستثمار المعرفي» كل ذلك بهدف الوصول لحالة أفضل في إدارة المشاريع ومؤسسات الدولة، لكن الذي ننكره ونخشى عواقبه الوخيمة هو ذلك الذكاء الاصطناعي الذي خلقوه في عقول الشباب مع أنه ذكاء، إلا إنه ليس طبيعياً وإنما صناعياً يمكن تسييره بأي اتجاه (بالريموت كنترول) وهذه هي التبعية باللاشعور.

ومؤسف حقاً أن تقوم وزارات التربية في إهدار وتعطيل ذكاء المتعلم الطبيعي أمام هذه الثقافة الرقمية، وثاني هذه المحذورات نجد ذوبان اهتمامات وتطلعات جيل الشباب وخلوها إلا من اللعب والضحك وثقافة الطبخ والرحلات وكمال الأجسام والتسوق والمظاهر والقشور فقط في أزياء الفنانين والفنانات، ونتيجة لهذا التحور القيمي لاحظنا أن المتعلم لم يعد يُقدّر معلمه فيعتبره منارة للعلم والنور بل أضحى اللا تقدير سمة هذا العصر... بل تعدى الأمر إلى حد الإعتداء عليه وملاحقته بالشكاوى حتى وصلنا إلى جيل من المعلمين والمعلمات والإداريين سلبيين لحد النخاع... حين يرون الغش أو المخالفات خوفاً من لجان التحقيق والعقوبات!

وثالث هذه المحذورات تشتيت ذهن الطالب وفقدانه التركيز على الكتب المدرسية، ما أنتج لنا ضعف الأساس التربوي والتعليمي تمثل في ضعف المخرجات، حتى دخل هذا السيل المتدفق وما يحمله من الغث والسمين إلى أبواب الجامعات الذي انعكس على مستوى البحوث المقدمة سواء ماجستير أو دكتوراه أو ترقيات، فهي في الأغلب سطحية غير مترابطة ولا تشكل إضافة للمكتبة، ولا تجد فيها شخصية الطالب، اللهمّ إلّا من خلال شحن المراجع والمصادر للبحث ليتجمّل بها ولكنه لم يرجع إليها إلّا رقمياً!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي