No Script

رأي قلمي

حتى وإن...!

تصغير
تكبير

إنّ المعلومات الغزيرة والمتدفقة لا تؤدي إلى تحسين العقلية والأعمال الفكرية، بل قد تؤدي إلى إعطاء نتائج تصلّب الذهن، وتقلل من فاعلية التفكير، فالعلاقات اللينة التي تسربل النظم والمنتجات المعرفية كافة، قد تقرأ بطريقة خاطئة ما يجعل انعكاساتها على البنية العقلية سلبية. لذا، لا بد من تجديد البعد العقلي من أن يشتمل على محاولة امتلاك قسط ملائم من المرونة الذهنية حتى نستطيع أن نستفيد من هذا الكم الهائل من المعارف الفيّاضة الغزيرة.

لكن الشيء المؤسف أن كثيراً من الناس لا يفهم مصطلح المرونة الذهنية بمعناه الحقيقي، بل يفهم بأنه تراجع وتنازل واستسلام، ويتحول هذا المصطلح الإيجابي من ميزة إلى ثغرة في شخصية الإنسان. المرونة الذهنية هي قدرة العقل البشري على إدراك الفروق الدقيقة بين الأشياء، والتداول المستمر بين الأسس والأصول وبين المسائل الفرعية، بالإضافة إلى القدرة على تجريد الألفاظ والمصطلحات وتعريتها ما يعلق بها من شوائب الاستعمال والتقليد، إلى جانب قدرة العقل على فهم العلاقات الخفية بين الأشياء والامتناع عن القولبة والنماذج الجاهزة.

إنّ من مظاهر المرونة الذهنية وتطبيقاتها القدرة على إدراك العلاقات المتدرجة بين الأشياء، الفرائض والواجبات ليست درجة واحدة، فوجوب الصدق ليس كوجوب الصلاة أو الزكاة... من يمتلك المرونة الذهنية لديه القدرة على فهم الفوارق الدقيقة بين الأشياء، ومن الطبيعي عندما يحاول المرء اكتشاف تشابه بين شيئين فإنه يستطيع في أكثر الأحيان أن يجد أكثر من وجه شبه واحد، لكن المهم ألا ننساق وراء التشابه الظاهري أو الجزئي، وننسى الفوارق الجسيمة التي تميز بين المتشابهات.

من إشارات وعلامات المرونة الذهنية القدرة على وزن مصادر المعرفة بطريقة صحيحة، وعدم الخلط بين معلومات تفيد الظن، وأخرى تفيد اليقين.

إن صاحب الذهن المرن، يعرف أنه يقف على أرض هشة، وأن ما تجمع لديه من مقدمات ومعطيات لا تكفي لقطعية التحليل والحكم، ومن ثم فإنه يكتفي بعرض وجهة نظره، وإبداء رأيه في وجهات نظر الآخرين تاركاً الخوض في الظنون والأوهام، ومحاولات تصيد الأخطاء، لغيره الذين يفقدون المرونة الذهنية بكل ما تعني من معانٍ. العقل المرن يفرق بين القيمة الأصلية والقيمة الإضافية للأفكار والأساليب والأشياء... مثال على ذلك في مجال الإصلاح الشامل، تكتسب التربية الصحيحة للأجيال أهمية خاصة، حيث إن المجتمع بقيمه الإيجابية لا يمكنه في النهاية أن يكون أقوى من مجموع أفراده.

أما القيمة الإضافية، فتتجلى في إمكان القيام بالتربية المطلوبة في أجواء يسودها الفساد والخوف والانغلاق والطغيان، في حين أن التربية المطلوبة لا تتم في تلك الأجواء، فإنّ التربية تفقد آنذاك القيمة الإضافية، ونتائجها محدودة. وذلك كله لأن أهمية تطبيق منهج أو فكرة أو أسلوب، تتناقض كلما كانت شروط تجسيده أشق، وكلما كانت الفئة التي يمكن إيصالها إليها أو قيامها به ضئيلة ومحدودة والعكس بالعكس.

دعونا نجتهد ونجاهد ونحاول لاكتساب المرونة الذهنية، ففيها تستقيم الحياة في أغلب جوانبها خصوصاً في الجانب الاجتماعي، المعني في التعاملات مع الأهل والأقارب والأصدقاء والزملاء وغيرهم ممن يمرون على حياتنا، فلنكن إضافة لهم، ونترك أثراً وبصمة لا تُنسى حتى وإن توارينا تحت التراب.

M.alwohaib@gmail.com

@mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي