No Script

أما بعد...

فوضى الصراعات

تصغير
تكبير

شهدت الأوضاع السياسية في البلاد موجة من التغيرات والتحولات السياسية التي استهدفت تغيير النهج السابق وإقامة أنظمة سياسية جديدة، غير أن المنطقة دخلت في أعتاب مرحلة جديدة من الصراع المتمثل بصراع الأيديولوجيات بين مختلف التيارات السياسية التي تحاول إثبات وجودها وأحقيتها في تصدر المشهد السياسي، ما أدخل البلاد في فوضى سياسية عارمة اختلطت فيها أهداف ومبادئ تلك التيارات بالتحديات والمعوقات التي واجهتها وهي تحاول تغيير الخارطة السياسية الجديدة بشكل كامل. وقد أشار سمو رئيس مجلس الوزراء في أكثر من مرة، إلى أنّ الحكومة تنظر إلى المهمة المطلوبة منها بوصفها مهمة استثنائية، نظراً لطبيعة المرحلة القادمة التي تمرّ بها البلاد، والترسبات التي تشكّلت عبر السياسات السابقة.

ففي تعريف الأولويات والمهمات، تقفز الجوانب الاقتصادية والمالية بصورة مباشرة، كالعجز المالي للدولة ومعدل البطالة المرتفع، وارتفاع الأسعار (الذي أرهق المواطنين)...إلخ، جميعاً تتطلب حلولاً، وتستدعي اهتماماً استثنائياً في «ترتيب البيت الداخلي» وإعادة هيكلة سوق العمل، وتحفيز الاستثمار، والتدريب والتأهيل، وتطوير التعليم، بمعنى أنّ البلاد بحاجة ماسّة إلى «ورشة عمل» كبيرة جداً.

لكن مثل هذه الورشة والمهمات مرتبطة بورشة أخرى ومهمات أخرى من الضروري أن تتجاوز وتتوازى معها، بل وتسبق المهمات الاقتصادية والمالية والأخرى، والمقصود هنا الجانب السياسي بصورة رئيسة، فالمطلوب ورشة سياسية كبيرة لمواجهة الأزمات السياسية التي تضاعف من حجم الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية.

عند مراجعة الخطابات الحكومية، نجد الحديث دوماً عن أزمة سياسية واحدة، وتتمثل بفجوة الثقة المتنامية بين الحكومة والشارع، وهي في الواقع «حفرة انهدام» في الثقة والمصداقية، لم يعد مصطلح فجوة كافياً. وهي «أي أزمة الثقة».

ومن أهم الأزمات السياسية في البلاد هي أزمة العلاقة بين أعضاء مجلس الأمة والحكومة، ولاحظنا كيف أنّ إصلاح هذه العلاقة أقرب إلى المعضلة اليوم، كيف يمكن لحكومة تتحدث عن خطاب إصلاحي وتغيير معادلات أن تأخذ الثقة من مجلس الأمة ترسّخت علاقته مع الحكومات السابقة وفق منطق تلك «المعادلات التقليدية»، من الصفقات تحت الطاولة وخلف الكواليس واعتماد المصالح المتبادلة وانتهاج سياسة التنفيع. وإن أسوأ الأزمات هي أزمة العلاقة بين الدولة ممثلة بالحكومة والمواطن، التي تغرق في منطقة رمادية، فلا المواطن يدرك تماماً ماذا يتوقع من الدولة؟ ولا الدولة حدّدت بصورة واضحة ماذا تريد من المواطن وتتوقع منه؟

لكن أُمّ الأزمات السياسية وجوهر المشكلة هو في الأزمة السياسية الداخلية في أروقة الحكومة نفسها، في تعريف الحكومة لبرنامجها؟ والرسالة السياسية للحكومة؟ ومدى توافق المؤسسات السياسية المعنية داخل الحكومة على تعريف محدّد لذلك؟ ما هو مشروع الإصلاح السياسي المطلوب؟ ما هي آلية تنفيذه؟

مثل هذه الأزمات هي التي تتطلب مهمة استثنائية بالتأكيد، وهي التي تساعدنا على الخروج من النفق الحالي وتُجلّي الرؤية أمام الجميع، لكن مثل هذه المهمة لا تتوقف على الحكومة، بل ان الأمر مرتبط -كذلك- بحوار وطني عميق تشترك فيه نخب من تيارات متعددة لبناء تصوّر الدولة عن نفسها وتصوّر المواطنين عنها.

Twitter: @Fahad_aljabri

Email: Al-jbri@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي