No Script

رؤية ورأي

بيان «حتى لا نعود إلى المربع الأول»

تصغير
تكبير

البيان الذي أصدره 39 نائباً يوم الثلاثاء الماضي، المعنون «حتى لا نعود إلى المربع الأول»، أزعجني وغمر قلبي بالأسى والحسرة على مستقبل الممارسة الديموقراطية، التي شُوّهت مراراً على مدى السنوات الأخيرة بانتهاكات متتالية للدستور، باسم الإصلاح والتنمية بأيدي نوّاب يفترض أنهم وطنيّون إصلاحيون.

رغم تقديري لعدد من النواب المشاركين في البيان، إلا أنه إنشائي وفحواه تليق بنشطاء سياسيين وليس بنوّاب محصّنين ومدجّجين بالأدوات الرقابية ويمثلون الأمة بأسرها، وفق المادة (108) من الدستور التي أُشير إليها في البيان ذاته.

خطورة هذا البيان تنكشف عندما نستحضر جلسة مجلس الأمة بتاريخ 16 أكتوبر، وما سبقها وما لحقها من وقائع. وهي الجلسة التي عُقدت بقوة الدستور، وتحديداً المادة (87) التي تنص على أن «يدعو الأمير مجلس الأمة لأول اجتماع يلي الانتخابات العامة للمجلس في خلال أسبوعين من انتهاء تلك الانتخابات، فإن لم يصدر مرسوم الدعوة خلال تلك المدة اعتبر المجلس مدعواً للاجتماع في صباح اليوم التالي للأسبوعين المذكورين».

فبالرغم من الأساس والمبنى الدستوريّين لانعقاد جلسة 16 أكتوبر، ورغم ارتفاع نسبة الأعضاء الذين حضروها، وتحديداً 86 في المئة من مجموع أعضاء المجلس آنذاك، حيث حضرها 43 من أصل 50 عضوا، وجميعهم نوّاب لأن الحكومة لم تكن مشكّلة في حينها؛ إلا أن محصّلة الممارسة النيابية تجاه هذه الجلسة هي كأنها لم تُعقد، إلا من المنظور الانتخابي، كإجراء لإبراء ذمّة مَنْ حضرها أمام قواعده الانتخابية.

مسؤولية النواب تجاه هذا الانتهاك للدستور متفاوتة. فمنهم مَنْ غاب عمداً عن الجلسة من دون مانع قسري، ومنهم مَنْ زكّى مَنْ غاب عمداً عن الجلسة رئيساً للمجلس، ومنهم مَنْ تقاعس عن التصدّي للرئيس عندما رفض المصادقة على مضبطة الجلسة. الشاهد أن الجلسة طمست والدستور انتهك وعرف نيابي لقيط ولد، وكل ذلك حصل برعاية نوّاب مُتقلّبون وشعب مُضلّل مُغيّب، نافذته الوحيدة الموثوقة في متابعة ومراقبة أداء النوّاب هي وسائل التواصل الاجتماعي.

البيان واهن لأنه أُعدّ بأطر مماثلة لأطر التعامل مع جلسة 16 أكتوبر، وذلك من مناح عدّة. فمن جانب تجاهل معدّو البيان غياب الحكومة عن جلسات مجلس الأمة، ليس فقط الجلسات العادية، بل أيضاً الجلسات الخاصة.

كما خلا البيان من تحديد مهلة للحكومة المستقيلة لإعلان التزامها بحضور الجلسات.

ومن جانب آخر تجاهل معدّو البيان الدور المحوري لرئيس المجلس في تعطيل انعقاد الجلسات، ابتداء بحرصه على حضور وترؤس الجلسات التي تبلغه الحكومة أنها لن تحضرها، ومروراً بمنعه مداخلات النوّاب الذين يطلبون نقاط نظام قبل اعلان رفع الجلسات، وانتهاء بموقفه من اللجوء إلى المحكمة الدستورية لتفسير المادة (116) من الدستور.

العامل الأكثر توهيناً للبيان وترسيخاً للممارسة النيابية المشوّهة، هو الانقلاب الفاضح للعديد من النوّاب – المشاركين في البيان – في مواقفهم المبدئية.

فبعد أن طالبوا في مجلس 2020 برحيل الرئيسين بحجة ممارساتهما غير الدستورية، تنازلوا عن هذا المطلب في البيان الحالي «وخارجه» رغم التشابه الكبير بين ممارسات الرئيسين الحاليين وبين ممارسات سلفيهما.

فعلى سبيل المثال، رئيسا الحكومتين (الحالي والسابق) امتنعا عن الإقرار بانعدام مشروعية طلب تأجيل الاستجوابات «المزمع» تقديمها، وكلاهما عطّل انعقاد جلسات عدّة لمجلس الأمة.

وكذلك رئيسا مجلسي الأمة (2020 و2022) واكبا الحكومة في تعطيل انعقاد الجلسات، وكلاهما ترأس جلسة انتهك فيها الدستور، الأول في قضية «المزمع» والثاني في قضية «المصادقة على مضبطة جلسة 16 أكتوبر».

المراد أن هذا الانقلاب في المواقف يُشكك وينخر في جديّة وإصرار الموقعين على مطلبهم الوارد في البيان... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي