No Script

أما بعد...

الأخلاق والسياسة

تصغير
تكبير

ترتبط المشكلات السياسية التي تُعاني منها الشعوب العربية اليوم بثقافة سياسية موروثة، حوّلت السياسة إلى لعبة لتحقيق مصالح ومنافع الأقوياء والمنتصرين في الصراع على السلطة. الثقافة السياسية السائدة تفصل الفعل السياسي المتعلق بالحياة العامة عن القيم الأخلاقية الضرورية لتطوّر أيّ مجتمع سياسي وسموّه، قيم العدل وحرية الاعتقاد والمساواة بين الناس والتعاون على الخير والعمل لتحقيق الصالح العام للمواطنين واحترام كرامة الإنسان.

هذا الفصل بين الأخلاقي والسياسي هو آفة الآفات، وهو ظاهرةٌ ملحوظةٌ بين القوى السياسية، بغض النظر عن خلفيتها الفكرية والثقافية، أخرجتها للعيان الموجات السياسية العاتية، بعد أن كانت محجوبةً خلف الشعارات والدعايات الحزبية والحركية.

نعم أظهر الحراك السياسي، منذ انطلاق صيحات الحرية التي رافقت ثورات الربيع العربي، أن الفعل السياسي والاجتماعي في المجتمعات العربية لا يقوم على قاعدة أخلاقية، بل على ذرائعية تتصف بالمجاملة والتلطّف تارة، وبالخشونة والتنمّر تارة أخرى، لتحقيق مصالح ومنافع شخصية وجماعية، من دون الاهتمام بالمصلحة العامة لأبناء المجتمعات العربية.

ويستوي في هذا التوصيف مَنْ أعلن أن مواقفه تنبع عن عقائد سياسية «علمانية» أو مَنْ ربط مواقفه بأساس «ديني» أو «إسلامي».

الجميع هتف للحرية والعدالة والمساواة، والجميع تزيّن بشعارات الليبرالية والتقدّمية والاشتراكية والإسلام، ولكن التجربة أظهرت عدم ارتباط هذه الشعارات بأساس أخلاقي. هذه الشعارات التي رفعها علمانيون حيناً وإسلاميون حيناً آخر، وآخرون محسوبون على هذا الطرف أو ذاك، لا يُمكن أن تتحقّق ما لم تتمحور حول معنى أساسي، يتعلّق بتساوي الناس في الكرامة، فلا كرامة حقيقية لمواطنٍ ما لم يتساو الجميع في الكرامة الإنسانية، ولا سياسة ما لم يكن مطلب السياسي، بغض النظر عن المذهب السياسي الذي ينتمي إليه، هو تحقيق العدل والمشاركة والعمل لتحقيق المصلحة العامة التي تعم جميع المواطنين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي