No Script

قيم ومبادئ

لا نُريد عقلية المشيخة!

تصغير
تكبير

«وأما الإسلام فنحن والحمد لله مسلمون ولم نخرج عن الإسلام يوماً ما والإسلام قائم على خمسة أركان ونحن محافظون عليها ونؤديها كل فرض في ميعاده ونحارب المنكر بكل صوره أما الأتراك فلم يثبت عندنا ما يجعلنا نكفّرهم».

كان هذا رد الشيخ سالم الصباح جواباً على موفد (الإخوان) الذين حاصروا القصر في مدينة الجهراء عام 1920، وقد أورد هذه القصة المؤرخ عبدالعزيز الرشيد في كتابه «تاريخ الكويت»، وأنا أقلّب صفحات التاريخ توقفت ملياً كي أقارن بين الأمس واليوم لتبدو لنا المفارقة الكبيرة بين نهجين سياسيين أصيل ودخيل...

رد الشيخ سالم الصباح رحمه الله، تجد فيه عزة النفس وقوة الإرادة وصلابة الهمة رغم الظروف الصعبة المحيطة به مع وضوح الموقف المبدئي فمَنْ أراد النيل من الكويت كائناً من كان... طافت في ذاكرتي هذه الأفكار حينما سمعت أخيراً ندوة سياسية نادى من خلالها الناطق الرسمي التقدمي! بإلغاء عقلية المشيخة بل واعتبرها سبب المشاكل والتخلف الذي نعاني منه اليوم!

فدار السؤال في خاطري سريعاً أين المطالبون بإلغاء دور (دولة الإمارة) آنذاك؟ لماذا لم نسمع لهم جعجعة أو نرى لهم طحناً؟ في التاريخ!

وإذا سلمنا لهم جدلاً بإلغاء عقلية المشيخة في إدارة البلاد فما هو البديل الناجح عندكم؟ فقالوا النضال الجماهيري أو الدستور أو ثالثة الأثافي وهي الوعي السياسي والحقوق المدنية والحريات!

أولاً، نأتي إلى النضال الجماهيري فما هو النضال؟ وأي جماهير؟ فهل النضال الحرب والقتال في الشوارع؟! أو بالكلام والعنتريات الصوتية؟ ثم من هي هذه الجماهير التي تعوّلون عليها لإدارة البلاد، وخاصة نحن نتكلم عن واقع يحكم وليس مثالاً وطموحاً ومدينة فاضلة كما تخيلها أفلاطون... وعندكم التقارير والإحصائيات والدراسات تثبت انعدام الناتج اليومي وضياع ساعات العمل وبطالة مقنعة مع تزايد المطالبات برفع سقف الأجور؟ ولعل التاريخ القريب في ثورات الربيع العربي وما آلت إليه الأمور بعدها من خسائر وتفرّق وضياع للثروات وعادت الجماهير الثورية النضالية بخفي حنين.

وثانياً، الدستور حيث قالوا الدستور الكويتي بوضعه الحالي بديلاً ناجحاً عن عقلية المشيخة، وخاصة أنه قيّد من صلاحيات الأمير وحدّد ممارسته بحلول المراسيم الأميرية محل الأوامر الأميرية.

ولكن يبقى هناك إشكال، وهو أن الدستور ومذكرته التفسيرية دارت حول نصوصه وتطبيقاته الحوارات والندوات فظهر الاختلاف، فيما للرأي فيه مجال أو ما هو من مسرح الاجتهاد من المسائل الفقهية وليس السياسية، وثار النزاع في استنباط الأحكام من أدلة الدستور أو القانون وخاصة في القضايا الكبرى الجسيمة، وهذا أدى الى تنوع المشارب والمدارس، لأن مدارك الناس تختلف في الاستنباط من النصوص، هذا مع وجود مسائل الاجماع وهي وإن كانت محصورة ومحل اتفاق ولا يجوز مخالفتها، إلا أننا وجدنا الحراك السياسي يناكف فيها ويثير حولها الشُبهات بحجة مسايرة سُنة التطور ومستجدات الحياة!

ولكن مقصودنا هنا المسائل الاجتهادية التي هي محل للبحث، وهنا اعطى الله ولاة الأمور والعلماء كل واحد بحسب ما خصه به من المدارك والفهم ما يصل اليه من النصوص، والاجتهاد مشروع وفق ضوابطه المعروفة.

وعليه نقول، الدستور لم يسلم من الطعون فيه من النخب السياسية، وانظروا إلى حجم القضايا الواردة للمحكمة الدستورية لتعلموا جيداً ان الدستور اذا لم ترافقه القيم والمبادئ التي تربى عليها المجتمع الكويتي الاصيل فسيكون وبالاً على الجميع.

وثالثاً، قالوا البديل عن عقلية المشيخة إطلاق العنان للحريات والوعي السياسي والحقوق المدنية؟ ولذلك فهم في نهاية المطاف لا يحبون ان يخضعوا لولي الأمر، ويرون ان هذا ذلة ومهانة والمرجلة عندهم بكسر القانون من أجل خاطر القبيلة والطائفة والتاجر!

ويعتبرون التمرد على الأعراف فضيلة وحرية ومؤشراً قياسياً لمدى الوعي النضالي لدى الشعوب ومثلهم في ذلك كمثل (شعراء الصعاليك) في الجاهلية! والذين لا يجمعهم إمام ولا يوحّدهم أمير لأنهم لا يخضعون لأحد وعندهم أنفة وكبر وغمط للناس!

والخلاصة،

أقول هذه مقولة سرت إلينا من الخارج وتلقفها قادة الاحزاب السياسية وتوجوها بالمطالبة بالملكية الدستورية!

وهي في الحقيقة مخالفة للدستور، والذي نص على أن دين الدولة الإسلام حيث أمرنا بالسمع الطاعة لولاة الأمور والصبر على جورهم، كما أمرنا بالنصيحة لهم سراً، وأما الكلام فيهم وسبّهم واغتيابهم فهذا من الغش لأنه يؤلّب الجماهير عليهم ويوغر صدورهم وهذا من الخيانة التي نهى عنها الإسلام.

ودع عنك ثرثرة السياسيين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي