No Script

اتجاهات

بايدن والموازنة الخارجية في بحر الصين الجنوبي

تصغير
تكبير

على مدار العقدين الماضيين ارتفعت حدة التوترات الأميركية-الصينية على خلفية قضايا وملفات عدة: حقوق الإنسان، هونغ كونغ، تايوان، الملكية الفكرية، الحرب التجارية والتكنولوجية وغيرها من الملفات العديدة.

يبرز بحر الصين الجنوبي كأهم وأخطر محور لهذا الصراع على الإطلاق. منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، تنبأ مفكرون واقعيون كثر، كجون ميرشايمر، بأن استبيان تطلع الصين لزعامة النظام العالمي سيتضح من حجم سياساتها الرامية للهيمنة على بحر الصين الجنوبي على وجه التحديد.

بحر الصين الجنوبي بما يتمتع به من مزايا اقتصادية وجيوسياسية هائلة، تُمكن مَنْ يفرض سيطرته عليه من تحقيق هيمنة مطلقة على آسيا كمنطلق أيضاً للهيمنة على النظام الدولي برمته.

تتمتع الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بهيمنة عسكرية بحرية وسياسية على بحر الصين الجنوبي والدول المحيطة به.

إذ هيمنتها على البحر تُشكّل عاملاً أساسياً لاستدامة هيمنتها كقطب أوحد في النظام الدولي.

فموقع البحر الاستراتيجي يمكن السفن العسكرية الأميركية من توزيع انتشارها عبر أرجاء المحيطين الهندي والهادئ، وصولاً لقواعدها العسكرية الممتدة عبر العالم. هذا بخلاف مرور ما يقرب من خُمس التجارة الأميركية عبر البحر.

في خضم الأزمة المالية العالمية 2008، بدأنا نشهد تحوّلاً نوعياً لسياسة الصين تجاه البحر، إذ أصبحت تتسم بنوع من الحدة والحسم تجاه مطالبها السيادية في البحر.

كدلالة واضحة لتحرك الصين الفعلي للهيمنة على آسيا بفضل شعورها بالتفوق النسبي في ميزان القوة على حساب أميركا.

شهد الموقف الصيني مزيداً من الحسم والحدة مصحوباً أيضاً بتحوّل من نوع جديد عبر عسكرة البحر وبناء الجزر الاصطناعية خلال حقبة الرئيس شيجينبينج. الأخير لم يخف تطلعه بأن تصبح الصين قائداً عالمياً في النظام الدولي.

الهيمنة الصينية التامة على بحر الصين، تحقق لها ثلاث مزايا استراتيجية تقلب من خلالها معادلة توازن القوة لصالحها: تعزيز موقعها الاستراتيجي وفرض سيطرتها العسكرية وتقليص دور واشنطن العسكري التقليدي بالتوازي مع فرض سيطرتها على تايوان، تقويض القوة المنافسة لها كاليابان والهند وإخضاع دول البحر للهيمنة الصينية، وأخيراً الاستحواذ على نفط وغاز وموارد البحر الطبيعية التي تقدر بالمليارات.

ومن ثم، فالتنافس الأميركي-الصيني على بحر الصين دون غيره من مجالات التنافس له خصوصية معينة، إذ يرتبط بعمق التنافس بينهما حول زعامة النظام الدولي.

اتبعت إدارة أوباما عبر ما يسمى -استراتيجية إعادة التوازن- استراتيجية موازنة خارجية ترتكز على تعزيز التحالفات في آسيا وتعزيز وضع أميركا العسكري في آسيا-باسيفك بغرض تحجم نفوذ الصين وتطلعاتها في البحر، وردعها وليس بغرض الانخراط في مواجهة عسكرية إلا في حالات الضرورة القصوى. على المنوال نفسه، اتبعت إدارة ترامب، الاستراتيجية ذاتها وإن كانت أكثر حدة لاسيما في ما يتعلق بعمليات حرية الملاحة.

يلاحظ أن الصين لم تَهب كثيراً من هذه الاستراتيجية إذ استمرت على نهجها التوسعي، لاسيما بناء الجزر الصناعية، وعسكرة الجزر المتنازع عليها وهو أكثر ما يقلق واشنطن.

ومع ذلك، لم تتجرأ أميركا في الانخراط في مواجهة عسكرية مع الصين نظراً لاعتبارات كثيرة أهمها التكلفة والخسائر الباهظة لهذه الحرب.

كانت أولى إشارات إدارة بايدن تجاه البحر هي إدانتها الشديدة لاستمرار بناء الجزر الصناعية في البحر. لكن في خضم التنافس الأميركي-الصيني على نحو عام، أبدت إدارة بايدن إشارات متكررة على علاقة تنافسية-تعاونية مع الصين.

وهو ما يبدو أن إدارة بايدن ستستمر على نهج الموازنة الخارجية في البحر، والتي سترتكز على أربعة محاور رئيسية: تعزيز التحالفات الأميركية في آسيا مع الشركاء، الاستمرار في عمليات حرية الملاحة، تشجيع الحلول السلمية والمسار التفاوضي بين الصين والدول المتنازعة، تشجيع الدول المتنازعة على الاستمرار في مقاضاة الصين دولياً في شأن مطالبها في البحر لإضعاف موقف ومصداقية الصين في العالم.

انجرار واشنطن في مواجهة عسكرية مع الصين له تداعيات شديدة الخطورة، لا خيار لدى إدارة بايدن سوى الرهان على الموازنة الخارجية والضغط عليها سياسياً واقتصادياً إلى أبعد حد لإثنائها على إيقاف مساعيها الرامية للهيمنة على البحر.

نجاح الموازنة الخارجية في المقابل متوقف على عوامل ومتغيرات عدة، أهمها استمرار صلابة الاقتصاد الصيني.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي